من الأمور المؤسفة أن تتحول العلاقة الحميمة لدى البعض إلى نوع من «التجارة» والسلعة القابلة للمقايضة بين الزوج وزوجته، ما يفقدها المعنى الحقيقي لمفهوم المودة والرحمة، وتتحول إلى علاقة جسدية مدفوعة الثمن.. لا تختلف كثيراً عن أبغض وأقدم المهن التي عرفتها البشرية، ومن الطبيعي أن ينتج عن مثل هذه العلاقة المشوهة الكثير من الخلل في التكوين النفسي لرابطة الزواج، والذي يمكن أن ينهار مع أول منعطف، والمؤسف أن نجد مثل هذه الأمور تحدث في المجتمع وبدرجات متفاوتة، ونادراً ما نجد من يتحدث عنها بواقع متوازن وعلمي ليقدم الحلول، بدلاً من الدخول في متاهات الابتزاز المادي والمعنوي، والذي يمكن تشبيهه كمرض السرطان؛ يستشري في كل جوانب العلاقة الزوجية، إذا لم يتم الانتباه إلى مثل هذه السلوكيات السلبية والحرص على علاجها أولاً بأول.
الحالة
الرسالة التالية وصلتني من أبو أحمد، الذي يقول إن هذه هي الورقة الأخيرة التي يريد استخدامها لإنقاذ حياته الزوجية قبل أن يلجأ إلى الطلاق؛ بعد أن تعب من تقديم التلميحات، وأيضاً التصريحات لزوجته حول عدم رضاه عن الأسلوب الجديد، الذي بدأت زوجته تستخدمه معه بعد أن سمعت من إحدى قريباتها أنه الأسلوب الأفضل؛ للحصول على كل ما تريد من دون عناء، ويقول: بدأت تشترط عليّ أن أعطيها مالاً مقابل أن تسمح لي بالحصول على حقي الشرعي في العلاقة الحميمة. في البداية ظننت أنها تمزح، وأن هذا نوع من أنواع الإثارة الجديدة؛ لتدخل التغيير وتضيف بعضاً من الأكشن والحيوية على العلاقة، ولا أخفيك أنني كنت أطاوعها، ولكن أصبح هذا هو الحال في كل مرة نلتقي في الفراش، وإذا رفضت أن أعطيها ما تريد أجدها تتحول إلى قطعة من الخشب البارد، الذي لا حياة فيه، وتبقى صامتة إلى أن أنتهي من أخذ حقوقي، لدرجة بدأت أشعر معها بالتقزز، وفكرت أن أعالج الموضوع بطلاقها والزواج من أخرى، كما نصحني بعض أصدقائي المقربين، ولكنني تراجعت وفكرت في جميع الاحتمالات، وقلت هل يمكن أن أكون أنا من سمح للأمور بأن تتطور وتصل إلى هذا الحد؟ وهل يمكن أن يكون الخلل فيّ أنا، أم أن الخلل فيها هي؟ وهل العلاقة قابلة للعلاج؟ فأنا لا يمكن أن أتصور نفسي زوجاً لامرأة تطلب ثمن ما هو حق من حقوقي، وحتى لا يأخذني التفكير لأمور أبشع من ذلك أطلب منك أن تساعديني على فهم ما يحدث، وهل هناك أمل في معالجة الحالة، أم أن قرار الطلاق هو العلاج الأنجع؟
الإجابة
أخي الفاضل: شكراً على عدم تسرعك في اتخاذ القرار الخاطئ بالطلاق؛ لأنه بالتأكيد ليس العلاج الأمثل لمثل هذه الحالات، والتي بدأت للأسف في الظهور للعلن بعد أن كانت من المحظورات، التي لا يمكن لرجل أن يتحدث عنها، واسمح لي بأن أناقش الأسباب، ومن ثم إعطاء بعض الإرشادات للطرفين لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة على العلاقة الزوجية، وأيضاً على المجتمع.
أولاً، المشكلة تنبع من الجهل بمعنى العلاقة الحميمة، وأنه حق للزوجين، مثل الحق في الأكل والشرب، ولا يمكن أن يخضع الحال لمفهوم المقايضة، والتعامل مع هذه العلاقة كسلعة تقبل المقايضة، أو أن يكون لها ثمن، وجزء من مصدر هذه المشكلة يأتي من غياب الثقافة الجنسية للزوجين، وبخاصة الزوجة، لمعنى احترام الجسد والمحافظة عليه.
ثانياً، من الناحية النفسية نجد في بعض الحالات التي تشعر المرأة فيها بالقهر من الزوج، وبخاصة إذا كان تعامله جافاً ومجحفاً، وغير منصف في الحياة الزوجية، فتلجأ إلى موضوع «المقايضة»؛ كرغبة في إذلال الزوج والانتقام النفسي منه، وهنا تكمن خطورة الوضع بأن تتحول هذه العلاقة إلى متنفس للانتقام، والتحدي بين الزوجين، ونجد أن بعض الأزواج يقومون أيضاً بمثل هذا العمل عندما «يقايض الزوجة على العلاقة الحميمة في مقابل أن يسمح لها بما تريد»، مما يجعلها تصبح ضمن «العادات السيئة في الفراش»، ويبدأ الزوج في الشكوى إذا ما حدث ما يعكر عليه هذه الحالة، وليس طلباً للعلاج الجذري، مما يجعل الطلاق هو النهاية الحتمية في مثل هذه الحالة.
ثالثاً، من أساسيات نجاح العلاقة الزوجية ما يبنى على مبدأ الاحترام بين الزوجين، وليس كما يعتقد الكثيرون أنه الحب، ولتحقيق هذا المبدأ يجب مناقشة المسألة في أول حدوثها، وقبل أن تتحول إلى نمط تعامل بين الزوجين، مع أهمية مناقشة مسألة الأمور التي تحتاج إلى موافقة الزوج أو الزوجة؛ للحصول على أي شيء مادي أو حتى معنوي، وإلغاء مبدأ المقايضة من قاموس الحياة الزوجية، وإيجاد آليات للمناقشة، وبالتالي الوصول إلى اتفاق دون أن تكون العلاقة الحميمة طرفاً في هذا النقاش؛ حتى يتعلم الزوجان مبدأ الاحترام والمحافظة على نقاء العلاقة الحميمة.
رابعاً، بالنسبة للزوجة، أهمس في أذنها أن جسدك لا يمكن أن يقيم بأي شيء مادي؛ فهو يحتوي إنسانيتك ومشاعرك واحترام الآخرين لك، وهذه أمور لا يمكن أن يكون لها ثمن مادي، وتأكدي أن السلعة تصبح غير جذابة إذا ما عرف ثمنها المادي، وقد تقولين لنفسك أنا أعرف أن زوجي يحبني، ولن يؤذيني، فإن كان الأمر كذلك فلماذا تضعين تسعيرة ثمن لجسدك؟ سؤال يجب أن تحذري من التساهل في الإجابة عنه.
نصيحة
العلاقة الحميمة لا تعني استباحة كرامة الإنسان، سواء من قبل نفسه أو من قبل الآخر، ومبدأ المقايضة يحول علاقة الزواج إلى سلعة جسدية بحتة بلا طعم ولا لون ولا رائحة.
خطورة مبدأ المقايضة في العلاقة الحميمة
- شباب وبنات
- سيدتي - د.منى الصواف
- 26 يوليو 2014