يعتقد الكثير من الأزواج والزوجات أن الرجل هو المسؤول عن بدء العلاقة الحميمة، وأنه دائماً وأبداً مهيأ ومستعد لها، وهذا الاعتقاد ليس صحيحاً، حيث نجد أن بعض الزوجات يشعرن بعدم الرغبة في العلاقة الزوجية من طرفهن، ولكنهن يستطعن مجاراة الزوج إلى حد ما، وقد تقدم المرأة العديد من الأعذار التي تدل على عدم رغبتها أو استعدادها للعلاقة الحميمة، وعلى الرغم من ذلك تستطيع أن تتفاعل مع الزوج أثناء العلاقة، أما بالنسبة للرجل فلا يستطيع أن يتحامل على نفسه أو يجامل زوجته عند عدم رغبته؛ لأن الأمر يتطلب قدراً من الإثارة، والذي لا يحدث من دون رغبة، وهنا تأتي المشكلة عندما تعتقد الزوجة أن الزوج فقد الرغبة فيها، أو أن لديه بدائل أخرى للحصول على الرضا والإشباع، ونجد من خلال الممارسة الطبية أن الرجال الذين يعانون من هذه المشكلة يخشون أو يخجلون من مناقشة الأمر مع زوجاتهم، ويلجأون لطلب المساعدة؛ إما عن طريق الأعشاب والمعالجة الشعبية، وإما بطلب المساعدة الطبية، وهنا سنعرض إحدى الرسائل المتعلقة بهذا الموضوع الحساس للرجال، والذي يثير الكثير من القلق.
الحالة:
الرسالة التالية أرسلتها السيدة «نورة. ص»، تقول إنها متزوجة منذ أكثر من عشر سنوات، ولم ترزق بأطفال؛ نتيجة خلل عند الزوج، وهي تعرف ذلك وراضية بما قسمه الله لها، وتعدّ زوجها هو الشخص الوحيد الذي لا تستطيع أن تعيش من دونه؛ لنبل أخلاقه وحسن عشرته، ولاحظت في الشهور الأخيرة أن الزوج بدأ يتهرب من العلاقة الحميمة، مع العلم أنها تُحسن الاهتمام بمظهرها، وبنظافة بيتها، وكل ما يتعلق بالجوانب الحميمة في غرفة نومهما، وبدأت تشعر بالإحباط وأيضاً الخوف؛ كلما تزينت وتعطرت وحاولت، وتواجه بهذا البرود والرفض الصامت للعلاقة الحميمة، والتي أصبحت نادرة بمعدل مرة كل ثلاثة أو أربعة أشهر، بعد أن كانت مرتين أو ثلاث مرات أسبوعياً، وتقول إنها سألت الزوج: هل هناك ما يضايقك مني؟ فأجابها بقوله: بالعكس.. إنه يشعر بتأنيب الضمير؛ لأنها متمسكة به وصابرة معه، ما جعلها تقلق وتسأل: هل هناك شيء يخبئه لي القدر؟ ما السبب الذي يجعل الزوج يمتنع عن العلاقة الحميمة وهو لا يبدو عليه أي أمراض عضوية؟ كما قال لها الطبيب إن الجهاز العصبي لدى الزوج بحالة جيدة، فهل تكمن المشكلة فيها؟ أم أن الزوج بدأ يحصل على متعته عن طريق آخر؟! ما العمل وأنا لا يمكن أن أتخيل أن أعيش من دونه؟ والحقيقة لم ألاحظ أي تغيير في تعامله معي. فأين المشكلة، وما هو الحل؟!
الإجابة:
سيدتي الفاضلة، تتذكرين ما نشرناه في أحد الأعداد السابقة؛ عن موضوع توقعات الزوجة وتوقعات الزوج للعلاقة الحميمة، وخاصة بعد مرور فترة من الوقت على الزواج، والسبب في ذكر هذا الموضوع هنا أن العلاقة الحميمة تمر بمتغيرات مختلفة، وهي علاقة حية ومتغيرة وليست جامدة أو نمطية ثابتة، كما قد يعتقد البعض، ومعرفتنا بهذه الحقيقة يساعدنا كثيراً على عدم الخلط بين الحقائق الواقعية وبين بعض الأفكار الناتجة عن الخوف من فقدان الشريك، أو أي من الأفكار السلبية الأخرى؛ نتيجة ارتفاع سقف التوقعات بعيداً عن الواقع، وهنا اسمحي لي بأن أناقش معك الأسباب التي تجعل بعض الأزواج يتوقفون عن العلاقة الحميمة، وبصورة إما مؤقتة، أو حتى بصورة دائمة:
- تحتاج الممارسة الحميمة عند الرجل إلى عاملين أساسيين يجب أن يتوافرا معاً؛ العامل الأول: الرغبة في العلاقة بأي من صورها وأشكالها؛ من الممارسة الذاتية أو مع الشريك. العامل الثاني: القدرة على تنفيذ هذه الرغبة. وإذا حدث أي خلل في أحد هذين العنصرين، أو في كليهما؛ يحدث أن الرجل يبدأ في القلق، وهو بحد ذاته أحد العوامل التي تؤثر سلباً على الممارسة الحميمة، وسأعرض لك العديد من الأسباب التي تجعل الرجل يتوقف أو يمتنع عن الممارسة مع الشريك، ولكن ليس بالضرورة أن يتوقف عن الممارسة الذاتية، والتي تعد أحد هذه الأسباب، ويمكن تلخيصها في العناصر التالية:
1. تأثير بعض الأدوية والتي تستخدم لعلاج بعض الأمراض، سواء العضوية؛ مثل أدوية تخفيض دهون الدم، أو الأدوية النفسية؛ مثل بعض أنواع من مضادات أو معالجات الاكتئاب، ولا يجب أن ننسى هنا أن أهم الأمراض التي تفقد الرجل الرغبة الجنسية هو مرض الاكتئاب.
2. عدم القدرة على النوم وحدوث الأرق لأي سبب قد يكون متعلقاً بالناحية المادية أو العمل أو الإرهاق الجسدي وغيرها من الأسباب، كما وجد أن بعض الرجال الذين يعانون من اضطرابات النوم أو انقطاع التنفس أثناء النوم؛ يعانون أيضاً من اضطراب في الرغبة بالعلاقة الحميمة.
3. نقص في مستوى الهرمونات في الجسم، وخاصة هرمون التستوسيترون، والذي ينتج عنه بعض الأعراض مثل تضخم الثدي وقلة الشعر في الوجه والجسم عموماً، يجب هنا عمل الفحوصات المخبرية؛ لمعرفة مستويات هذه الهرمونات، مع قياس هرمون الغدة الدرقية أيضاً؛ لأن في حالة انخفاضه الشديد تتأثر العلاقة الحميمة بذلك.
4. اضطراب في الهوية الجنسية، وهو أمر نادر الحدوث، وعادة ما تظهر الأعراض في مراحل مبكرة من العمر؛ حيث يشعر ويعتقد الرجل أنه امرأة، وتكون ميوله نحو الجنس نفسه، ولكن ليس كما في حالات الشذوذ، وهذا الاضطراب يظهر على السلوك الكثير من العلامات التي تجعل الرجل يتصرف بناء على معتقده بأنه أنثى، ونجد بعض الأسر يميلون إلى تزويج أبنائهم؛ اعتقاداً منهم أن هذا سيساعد على العلاج، وهو معتقد ليس صحيحاً.
5. وجود خلافات عميقة مع الزوجة، وقد لا ينطبق هذا على وضعكما، والذي وصفتِه بأنه حسن العشرة معك.
6. الضغط النفسي ووجود مشكلات نفسية عميقة تحتاج إلى العلاج المتخصص، وكما اتضح في رسالتك؛ أن الزوج يعاني من الشعور بالذنب تجاهك، وهنا يجب أن تخضعا للعلاج السلوكي؛ للمساعدة على التخلص من هذا الشعور السلبي في داخله؛ حتى تتحسن الناحية السيكولوجية لديه، كما يجب الاهتمام بحقيقة أنه لا يستطيع الإنجاب، وهل توجد بدائل مثل رعاية الأيتام، وحتى من الأهل، ما يجعله أكثر قدرة على التكيف مع الحقائق المؤلمة في الحياة.
7. بعض الأزواج يميلون إلى ممارسة الإثارة الذاتية، أو ما يعرف بالعادة السرية، كبديل للعلاقة الحميمة، وخاصة إذا ما كانت هناك بعض الأمور المتعلقة بالتعليقات، وحتى لو لم تكن مقصودة من قبل الزوجة، ما يجعله ينفر من الممارسة المشتركة، وهنا نحتاج إلى معرفة المزيد من الأمور حول ديناميكية العلاقة الزوجية، ومن الأمور التي أنصح بها دائماً أن نلجأ لعيادات الإرشاد الزوجي، وتحديد المشكلة بصورة أكثر دقة وعن قرب، مع التأكيد على ما سبق وذكرته من التوقعات في العلاقات الحميمة، واختلافاتها بين الزوجين.
نصيحة
بعض الرجال يعانون في صمت، وقد لا يعرفون أن الزوجة تستطيع أن تكون العامل المساعد الأساسي للتخلص من الكثير من المشاعر السلبية لدى الرجل، خاصة إذا كانت توقعاتها مبنية على أسس واقعية، ومن دون الميل إلى الحكم قبل معرفة الجانب الخفي من المشكلة.