من الفلفل للملح افرح يا قلبي

هذه اللحية التي ترينها في الصورة، مرَّ عليها عشر سنين. أما الآن، إذا رأيت الأصل، فتجدين الفلفل الأسود القليل، الذي أفخر بوجوده في الصورة قد تبخر، ولم يعد عندي إلا ملح، ملح أجاج أبيض، وضعني بامتياز في خانة الجدود، وأنا مازلت في «ريعان» شبابي (ولو أني لا أعرف ما هذا «الريعان»، فهل تعرفينه أنت)، أي في ربيعي الخامس والخمسين.

55 عامًا، رقم بسيط في هذا الغلاء، لا يشتري شيئًا، ولا يعني شيئًا، وبالطبع –لا سمح الله- لا يعني «شيخًا».

بذمتك إذا تقدم لخطبتك شاب في الخامسة والخمسين.. ألن تقبلي فرحة مسرورة إذا توافرت الشروط الأخرى؟ (أخاطب آنستي هنا لا سيدتي الجميلة).. ألن يدق قلبك 55 دقة، ويحمر وجهك خجلاً وفرحًا؟

بالتأكيد، وأنت العاقلة الرشيدة، التي لا تأخذ العجوز مهما كان غنيًا أو ذا نفوذ، وتشترط على العريس أن يكون عصفور كناريا، إلفًا لها، في قفص الزوجية المعلق في سقف شرفة يتأرجح في كل خناقة وخناقة، كأنه النجفة في قبو ريا وسكينة، أثناء سنِّ السكينة، وغمس المنديل في البنج.

هذا هزار، فلا تخافي ولا تحزني. الخناقات في أول الزواج هي فلفل الحب وشطته، وفي الزواج العتيق المعتق علامة على أن الحب مازال موجودًا.. لكننا خرجنا عن الموضوع.

55 يعني «خمسة وخميسة» في عين العدو، العذول الحسود، و«خمسة وخميسة» عندنا في مصر عبارة تُقال لدرء الحسد والعين الشريرة، ويراعى فيها أن تفتحي أصابع الكف اليمنى عن آخرها وتضعيها ساترًا وتعويذة أمام وجه عدوتك، التي لا ترى بالطبع، لكن عينها الشريرة ترى وتعمل.. ولكن هذا كله فولكلور.

خمس وخمسون عامًا وشهران شمسيان عز الشباب.. ريعان الصبا («ريعان» ثانية؟!) ربيع العمر.. عنفوان الربيع، وأيضا ترتبط بالصبا كلمة غامضة أخرى: «مَيْعة»، ميعة الصبا. ما هذه الميعة؟ هل هي من «المياعة» أم «الميوعة»؟ أم خرجت لنا من أي كهف من عصور الحجر؟

ما علينا. كنت أعدد الصفات الجميلة لرقم 55 (وشهران شمسيان، شمسهما شتويتان). وأضيف إلى ذلك «الكمال المطلق» (الكمال البشري بالطبع؛ كي لا يفهمني أحد غلطًا). فالدائرة إن كنت لا تعرفين يا آنستي أو يا سيدتي الجميلة، هي رمز الكمال في الأشكال الهندسية، وبما أن عندي دائرتان (خمستان.. وشهران شمسيان شمسهما... إلخ إلخ).. فإني كامل² (أس اثنين) كما يقولون في الرياضيات، أو كما نقول في لغتنا الجميلة «كامل مكمّل».

ربما كان عيبي الوحيد هو الغرور لكني معذور، فرجل في شبابي (55 سنة + شهران شمسيان شمسهما... إلخ إلخ) لا يملك إلا أن يكون معجبًا بنفسه. ولكن كفى هزرًا.

لنعد للحيتي الموقرة –التي هي أكثر وقارًا حتى من التي ترينها أمامك- البيضاء كجدار إسمنتي، كياسمينة مذكورة في قصيدة من العصر الحجري، كبيضة الديك الخرافية، كالسنة الأولى التي نبتت في فم وليد مات من ألف عام! هذه اللحية تجعل الناس ينادونني يا «حاج» ويا «عم الشيخ»، دون أن يعلموا، وراء اللحية طفلاً لا يشيخ، تجعلني وأنا في الخامسة والخمسين (وشهران شمسيان... إلخ) أشعر أني في الخامسة والسبعين (دون أشهر شمسية أو قمرية)، أو في الخامسة والثمانين، مع أني في عز شبابي والله العظيم.