إنَّ من يمشي في طريق الشيطان يبتعد بذاته عن المقاصد النبيلة، ويتعامل في جوانب حياته بالأنانيَّة المفرطة، وكأنَّه بصم على نفسه الظلم حتى تملكه من كل جانب، وإنني لأرتجف خوفًا، ورهبة كلما تذكرت قول الحق سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: «وعزتي وجلالي لأنتقمن ممن رأى مظلومًا قدر على مساعدته ولم يفعل»، فمساندة المظلوم إذن أمر إلهي، ولو تمعَّنا في مغزى الحديث فسنجد بعضًا ممن يعيشون بيننا يملكون بين ضلوعهم قلوبًا ميتة. أشخاصًا يحملون من النقائص ما يخجلون منها، ويلجأون إلى الحرب النفسيَّة لإفساد حياة الآخرين. نفوسًا مليئة بالحقد، والغيظ، والحسد، والكره بعيدة عن السلام، والتراحم، والعفو، والتسامح. قلوبًا باتت كالحجارة أو أشد قسوة لا تفكر إلا في الدنيا الفانية، دنيا لهثوا خلفها دون بصيرة غير مدركين لعواقب ما تجنيه أيديهم، وعقولهم، ونفوسهم، قال الإمام مالك بن أنس: «قد ينتقم الله من ظالم بظالم ثم ينتقم من كليهما». ونحن مع الأسف لا نقدِّر فعليًا خطورة التهاون في السكوت عن الظلم، ونفعل ذلك إما لخوفنا من النتائج، وما ستجلبه لنا من مشاكل نحن في غنى عنها، أو خوفًا على مصالحنا، أو وظائفنا، أو نقول مالنا وماذا سنستفيد لو تكلمنا، أو أنَّ الأمر لا يعنينا مع علمنا بأنَّ الساكت عن الحق شيطان أخرس. فالشعور بالظلم يبعث على القهر، إنَّه الظلم الذي اعتاد كثيرون منَّا على أن يلتزموا أمامه الصمت، إنَّه الظلم الذي بدأ يغزو عالمنا ليقود منظومة الكذب والنفاق، إنَّه الظلم بجميع أشكاله، وأحجامه، وألوانه، الظلم الذي يفقدنا القدرة في الدفاع عن حقوقنا وحقوق الآخرين، الظلم الذي جعلنا نقف كالمتفرجين على قوة الأقوياء، ونستعجب من عجزنا ونحن نرى أنَّ المظلوم يعتذر لمن ظلمة. والمجني عليه يعتذر للجاني. والمجلود يعتذر لمن جلده. فنراعي مشاعر الظالم أكثر من مشاعر المظلوم، والجاني أكثر من المجني عليه، وفي بعض الحالات قد يدفع القهر، والظروف القاسية بالآخرين إلى الانتقام، لكن ليس هذا مبررًا كافيًا، فالخيط الرفيع الذي يفصل بين الخير والشر، وبين الظالم والمظلوم، وبين القوي والضعيف، خيط واهن يذوب، ويتلاشى إذا انحدر القلب، وعلاه الصدأ، ويكفي أن نكون واثقين أنَّ الظالم دائمًا أشقى من المظلوم.. المظلوم الذي نسمع صدى صوته وهو يردد ألا قولوا لشخص قد تقوى على ضعفي، ولم يخش رقيبًا خبأت له سهامًا في الليالي، وأرجو أن تكون له مُصيبًا، أما من ظلم، وتحكم في مصائر من حوله فسيأتي عليه يوم ويُسلط عليه، أو تنتهي صلاحيته ولن يجد يدًا واحدة تربت على ظهره، أو شفاهًا تبتسم له، أو صوتًا يدعو له.. فالظلم ظلمات.
أنين العدل
مهلاً أيها الظالم، فالليل ولو طال فلابد أن يبزغ الفجر، ويوم الحساب لا تأسف ولا اعتذار.
مهلاً أيها الظالم، وتيقن أنَّ صوت المظلوم يسمعه الملك الجبار.