جورج وسوف نجم حتى في مرضه

جورج وسوف نجم حتى في مرضه

لا قواعد تحكم هذا الرجل الفنان... نجم منذ نعومة أظافره... خرج من أغنية ودخل بأخرى... لا نعرف كيف عبر الحدود... لعلّه تعلّق بسيارة أجرة أخذته إلى بيروت، فغنّى لقرية هو لا يعرفها (حاصبيا) موّاله الشهير (سألتها من وين قالت من حاصبيا) وانتشر كالريح في سهول وجبال لبنان وسوريا وفلسطين وبلاد العرب. تسمعه في سيارة التاكسي وعلى عربات الباعة، في قصور الأغنياء وفي بيوت الساسة، صديق النجوم، يتجوّل مع عمر الشريف في باريس، يدخل أميركا الشمالية والجنوبية، يلتفّ حوله المعجبون من المهاجرين الأوائل وأبناؤهم من الجيل الرابع والخامس، أبو وديع هنا.

في مشواره تساقط من حوله النجوم، وتسلّق بعضهم على أغنياته، ومنهم من حفظه غياباً، كيف يمشي، كيف يخاطب ناسه، وكيف يختار أغنياته وجمهوره، لكنه هو واحد من الذين تربّعوا على عرش الأغنية الشعبية طيلة حضوره المتدفّق، فالمنافسة معه تبدأ من مشاهير لبنان فئة وائل كفوري وفضل شاكر ليصل إلى ملحم بركات.

خرج من عباءة الأغنية اللبنانية وتقدّم نحو المصرية فأرضى نفسه كمحترف موسيقياً ومعلّماً يحفظ ألحان زكريا أحمد والسنباطي وعبد المطّلب وكل ما غنّته كوكب الشرق أم كلثوم، والتفّ على أغنية العندليب الأسمر (جانا الهوى) لتبدو غير تلك الشهيرة كما أيضاً في رائعة عبد الحليم (أي دمعة حزن لا لا).. تلوّن وانساب بأغنيات الكبار حتى كادت تُنسب له.

منذ أشهر وأخبار الوسوف الصحيّة تخترق الصحافة وهي تخرج من حجرته في المستشفيات التي يتعالج فيها، ومعجبوه مستمرّون في عملية البحث عن أخباره وهم لا يدعون فرصة تمرّ دون إعلان حبهم له، ولفنه، ولما يمثّل هذا الفنان النحيل القادم من أماكن تشبه أماكنهم، ومن بيوت تشبه بيوتهم... يرتجف لصوت أمه حين تخاطبه في حلقة تلفزيونية ويطلب إليها أن تذهب للنوم، خائفاً على خوفها، لعلّهما يريدان استرجاع طفولة وسّوف الصغير الذي يسهر بعيداً عنها في بيروت، يتنقّل بين دخان القذائف المتساقطة، يبحث عن أغنية تلهب حماس الساهرين والعاشقين والحبايب والسلاطين.

نجم صغير يكبر أمام الجمهور.. لدرجة أن الجمهور أصبح شريكه... ولمَ لا؟ فهو كبر بين أيديهم، على أريكتهم، تحت أشجار زيتونهم وبين كروم عنبهم.

جورج وسوف نجم أمضى عمره في بناء حالته الفنية، رسم لنفسه صورة يصعب اختراقها، برغم محاولات تقليدها الفاشلة. جورج يلتقي مع نجوم العالم الذين حفروا حبّهم في قلوب جماهيرهم، فبالنسبة للعالم العربي لا يقلّ الوسوف أهمية عن ظاهرة ألفيس بريسلي ومايكل جاكسون... يلتقي معهم في موهبتهم الصغيرة، وفترة "جنونهم" وجموحهم الشبابي، وآلامهم التي رافقت مسيرتهم.

السلامة لهذا الفنان، وليعد إلى معجبيه بكل طفولته وهزاله وصوته المميّز وإن بدا عليه التعب والحزن وحشرجات المرض.

 

 

ترشرش. ترشرش "فيروس" يجتاح الأغنية اللبنانية 

ما زال مجهولاً صاحب أشهر أغنية في بيروت (ترشرش)، وما زال كثر يدّعون ملكية هذا التعبير الفارغ من المعنى والمضمون... ترشرش ..

يقول أحد (المرشرشين) الذي ادّعى ملكية (السمفونية الرشرشية) ويدعى رامي إن معنى هذه الكلمة حسب تعبيره هو الترويح عن النفس، وليس لها ارتباط بدعوة الساهرين (لرش النقوط) أي رمي الأوراق المالية على المغنين والمغنيات والراقصات... هذا المشهد الأكثر حضوراً في نوادٍ ليلية توزّع ألقاباً رنّانة على أصحاب الأوراق الخضراء التي تملأ أرض المسرح، تحت أقدام مطربي الأمر الواقع الخاص بأغنياء جدد، جلّهم أموالهم مجهولة المصادر وتغريهم هذه النوعية من الأغاني.

(ترشرش) تأتي ضمن سلسلة الأغاني "المتهوّرة" أو المبنية على الهوارة والدلعونا وهي راقصة دابكة بامتياز، مشكّلة استمرارية لأغنية (الحاصودي) لعلي الديك أو لمحمد اسكندر حيث ادّعى كل منهما ملكيّته لهذه الأغنية، فتطوّر الأمر إلى قضية أمام المحاكم في حينها. ولم نطّلع بعد ذلك على نتائج التحقيقات حيث أشيع أن الملحن باع الأغنية للاثنين.. وإن كان الأسلوب الذي قدمه علي الديك هو الأقرب للـ(حاصودي) مما قدّمه اسكندر صاحب أغنية (نحن ما عنا بنات تتوظف بشهادتها). وهذا ما يدور حول (ترشرش) التي يدعي ملكيتها كثيرون.

ما زالت هذه الظاهرة المبنية على النغمة الجبلية تلقى استحسان مجموعة كبيرة من الجمهور الباحث عن أغانٍ قريبة لذاكرته الفلاحية والرعوية... ولا يبدو أن انحسارها قريب بل هي تنتشر أكثر لتصبح مسيطرة على أسواق الفرح المرتبط بالأعراس وأعياد الميلاد والمناسبات الليلية في الكثير من البلاد العربية والتي تحتاج لهذا النوع من الفنون، لتعيد الذاكرة إلى أغنية (كمنننا) التي قدّمها محمد فؤاد ومحمد هنيدي في فيلم (اسماعيلية رايح جاي)... (كمنننا) هذه لا معنى لها، إلا أنها كانت أحد أسباب شهرة الهنيدي الذي كان لفترة طويلة ممثلاً مساعداً في الصفوف الخلفية.  

يبقى الريف السوري المصدر الأساسي لهذا اللون من الأغاني، إلا أن المستفيد الأول من هذا الإنتاج هو المطرب اللبناني الذي يتقن فن التسويق إلى جانب الفرص المتاحة حالياً بسبب الأوضاع المساعدة في بيروت للنشر.

اليوم (ترشرش) وغداً كلمات أكثر غرابة سيتمّ تناولها على اعتبار أنها الوصفة الناجحة لنشر الأغنية، وقد لا يخجل المغني من وضع "اسمه" ضمن كلمات الأغنية ليضمن ملكيتها في حال عثورهم على (رشرشة) تؤمّن لهم إطلالة ولو كانت مرحلية.