حين يبتسم الناس يصيرون أجمل، وهو إذا ابتسم التوى وجهه.
حين ينظر في عينيكِ تحسين بأن ما تنطقه شفتاه عكس ما تقوله عيناه، أو أن عينيه تتهكمان على كلماته، وتقول لك: لا تصدقي أني بريء.
والوغد حين يكون فنانًا، شاعرًا موهوبًا، يصدق عليه ما قاله أحد النقاد القدماء: وأعذب الشعر أكذبه، فهو فصيح، لكنك تشعرين بأنه ليس في شعره ذرة صدق.
وللوغد أشكال وألوان: قد يكون فاكهيًّا يخفي الثمر الفاسد تحت «وش» القفص، وقد يظهر حبه وإعجابه وافتتانه بامرأة، حبه الصادق الشريف، ولا يضمر نحوها إلا الغدر.
وقد يكون الوغد طفلاً يسرق الشوكولاتة، أو يكسر الحصالة ويأخذ ما فيها، ويُلقي التهمة على أخيه، أو فتاة هوايتها أن تسرق من صديقاتها من يحببن، فلا تهدأ حتى يقع في هواها من كان يحب صديقتها، وبعد أن يتم المراد ويهجر الشاب محبوبته من أجلها، تزهد فيه هي وترميه في أول سلة عشاق مهمَلين مهجورين.
وقد يكون الوغد من وعد الحلوة بالحلق، ثم أخلف وعده بعد أن ثقبت أذنيها، وهو مثل يظهر قسوة ونذالة من عشّم الناس ثم حرمهم مما عشمهم به بعد أن بنوا آمالاً، وخططوا على ذلك الشيء المرجو الموعود.
وقد يكون الوغد ولدًا كبيرًا هوايته أن يضرب من هم أصغر منه وأضعف، أو فتى على دراجة يخطف من عجوز فقيرة تسير في الشارع حقيبة يدها ويبتعد سريعًا بدراجته، بل ربما التم عدد من الفتيان على عجوز فأوسعوه ضربًا وركلاً، دون سبب في الغالب.
والوغد إذا كانت عيناه خضراوين تكونان كعيني قطة تنوّم فأرًا صغيرًا تنويمًا مغناطيسيًّا تمهيدًا لابتلاعه، بعد أن تلهو به قليلاً، فتقلبه بمخلبها يمينًا ويسارًا.
أما إذا كانت عينا الوغد زرقاوين، فهما كبحر منبسط يغويك برقة ريحه ونعومة أمواجه، حتى إذا اطمأننت لهاتين العينين إذا بهما في يوم ليس على البال تكشفان لك وجههما الثاني، مَوْجها الهائج ولجَّتها المظلمة المفغورة كي تبتلعك.
أما العيون العسلية، فإنها تدعوك أن تغوص في بحر العسل، فإذا فعلت فقد وقعت يا بطل، والتصقت التصاقًا لا فكاك منه، كأنك هاموشة حمقاء أغراها اللون والطعم والرائحة، فسقطت ولم تعد.
ونختتم رحلتنا في عيون الأوغاد بالعينين السوداوين. إنكِ ترين في عيني الوغد لمعة النجوم، بينما هي لمعة نصل الخنجر، فاحذري.. وتلمحين بسمة ساحرة، هي في الواقع بسمة ساخرة، فانتبهي وخذي الحيطة.
ولا تظني استخدامي المذكر وحروف التذكير في وصف الأوغاد تنزيهًا للمرأة عن هذه الصفة، بالعكس ليس الأمر هكذا على الإطلاق، بل جرت العادة على أن نستخدم صيغة المذكر حين نتحدث عن ظاهرة عامة.
أما عن انتشار هذه الصفة بين النساء، فحدّثي عنها ولا حرج، بل ربما كنتِ أنتِ يا سيدتي أقدر مني على تتبع وملاحظة «حالة أن يكون الإنسان وغدًا» بين بنات جنسك.
وقد تحدثنا عن سارقة الأحباب، تبقى من لا تطلب الطلاق من زوج لا تحبه، لأنها لا تستطيع الاستغناء عن ماله، وتفضل أن تخونه في السر، ومن تترك أطفالها برعاية «الدادا» لتعيش حياتها، ولا ترضعهم لتحافظ على جمالها.
والواقع أن كل وغد مذكر تقابله نسخة تزيد عليه بالتاء المربوطة، أي لا تعايرني ولا أعايرك، الهم يطالنا جميعًا نحن البشر.
لكننا في نفس الوقت نملك نماذج أفضل وأجمل، ولست أدري لماذا يقول لي قلبي إنكِ يا قارئتي ـ التي لا أقرؤها ولا أراها ـ أنتِ بين الأجمل والأفضل، وإن الشر واللؤم لا يجدان مكانًا في قلبك يضربان فيه جذرهما بين خمائل الورد والياسمين.
فهل تظنينني وغدًا أنافقك؟ حاشى لله، بل ربما كنت حالمًا بطبعي، وتلك مأساة سأحدثك عنها في المقالة القادمة.