ودع المصريون والعالم الإسلامي المفكر ورجل البر الدكتور مصطفى محمود، صاحب أشهر برنامج تليفزيوني يمزج بين العلم والإيمان، وقد سمي «العلم والإيمان»، بالإضافة إلى العديد من الكتب العلمية التي أثرى بها المكتبة العربية، كما أنشأ أشهر جمعية خيرية لكفالة الفقراء والمرضى، بالإضافة للمسجد الذي اشتهر في منتصف حي المهندسين الراقي.
قال نقيب الصحفيين المصريين مكرم محمد أحمد "أذكر أنه في آخر لقاء جمعنا معا قبل نحو 3 أشهر، وكان يوم جمعة، شعرت بالغبطة والسعادة؛ لالتفاف الفقراء حوله بعد صلاة الجمعة؛ لبث همومهم إليه؛ رحم الله العالم الكبير والمفكر مصطفى محمود".
أما المخرج المسرحي جلال الشرقاوي فقال: الدكتور مصطفى محمود كان نعم الأخ والصديق -رحمه الله- وألهم أسرته الصبر والسلوان، ويكفي حب الناس له والذي رأيناه جميعا في جنازته، كما كان جريئا وقويا ولا يخاف في الحق لومة لائم ومثقفا لا يُشق له غبار، ويكفي أنه ألف نحو 90 كتابا في شتى مجالات الحياة الدينية والثقافية والسياسية، وكان يدهشني عندما يهديني كتابا جديدا من تأليفه، فدائما يكتب في كل ما هو جديد ومثير ومختلف، فلقد كان فيلسوفا قلما يجود بمثله الزمان.
صديق العمر
لم تتمالك الدكتورة لوتس عبد الكريم، رئيسة تحرير جريدة «شموع» الثقافية، نفسها عند حديثها عن الدكتور مصطفى محمود، وانقطع صوتها عدة مرات مختنقا بالبكاء، وقالت في انزعاج شديد: مات صديق العمر -رحمه الله- فعلاقتنا تمتد لنحو عاماً مضت، ولم يكن إنساناً عادياً بل كان عالما عبقريا بكل ما تعنيه الكلمة، وهو ما جعلني أكتب آخر كتاب لي عنه.
الرحلة إلى الإيمان
أما الكاتبة الصحفية نعم الباز فتذكرت أثناء حديثنا معها كلماته معها أثناء رحلته من الشك إلى الإيمان، تلك المرحلة التي قال عنها في حوار بينهما: «لا أريد أن أكون مسلماً مستسلماً وإنما مسلم متأكد»، وهو ما وصفته الباز بأنه تفكير لا يأتي إلا من عالم وصل بعلمه إلى درجة كبيرة.
ويتذكر الكاتب والأديب، أنيس منصور، مواقفه التي لا تُنسى مع الراحل مصطفى محمود قائلا: كان مصطفى محمود -رحمه الله- يوقع مقالاته التي تنشرها أخبار اليوم بالحرفين «م.م»، وكنت أضحك وأقول: إما أن يعني الحرفات ماري منيب أو مارلين مونرو. وكنت أندهش: كيف أن عالما يكتب بهذه السلاسة والجمال ثم لا يذكرون اسمه؛ فقد أوتي علما غزيرا وأسلوبا بليغا؛ فإذا كتب في الطب فهو أديب جميل العبارة؛ وإذا كتب في الأدب فهو سريع قاطع العبارة؛ إنه فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة؛ فلقد اختار لنفسه مجالات واسعة في الطب والكيمياء والفلك؛ وكان يستعين بالصورة الجميلة في برنامج العلم والإيمان والذي كان هدفه من ورائه تأكيد أن الإيمان له أساس علمي.
لحظات صعبة
أما أمل ابنة المفكر الدكتور مصطفى محمود، فقالت لـ«سيدتي»: والدي دأب في أيامه الأخيرة على الاستماع إلى القرآن الكريم بتلاوة قراء معينين أمثال: عبدالباسط عبدالصمد، الطبلاوي، محمود صديق المنشاوي، ومحمد جبريل، حيث كان طوال عمره يحب أن يستمع إلى أصواتهم، كما كان دائم السؤال عن أحفاده الأربعة، وفرح بشدة عندما عرف أن إحدى القنوات الفضائية سوف تعيد إذاعة برنامجه مع بداية العام المقبل.
وقال نجله أدهم مصطفى محمود، إن حضور المواطنين البسطاء واليتامى الذين استفادوا من جمعيته الخيرية كان هو التكريم الحقيقي الذي حرص عليه طوال حياته، وأنه -رحمه الله- كان دائم السؤال عن أحوال الجمعية في نوبات إفاقته، حيث كان يعاني من الزهايمر منذ فترة طويلة.
ومن جانبه وصف الكاتب الصحفي لويس جريس، الراحل مصطفى محمود قائلا: كان أحد رجال الصمت في مصر الذين عملوا وقدموا كل ما في وسعهم لخدمة البلد، ولكن في صمت شديد، مثلما رحل في صمت أيضاً، ولا يكفيه صفحات وصفحات لنوفيه حقه كرجل له قيمة كبيرة، أحبه كثيرون وساعد أكثر منهم.