من خلال الملفات والتحقيقات حول قضية التحرش، نجد أنها قضية باتت هماً في العالم بأسره بشكل وفي الوطن العربي بشكل خاص، وهي الحديث الظاهر على الساحة، وتحتاج إلى أن نسلط عليها الضوء ونتعامل معها قلباً وقالباً حتى نستطيع معرفة دوافع المتحرش وسلوكياته وسيكولوجيته في اختيار المتحرش بها، وكيفية عودة المتحرش بها من جديد لتندمج مع المجتمع بدون آثار سلبية ونفسية.
"سيِّدتي نت" تقدم في ما يأتي باستشارة الأخصائي والمعالج النفسي بالعيادة النفسية التابعة للشؤون الصحية بالمنطقة الشرقية الدكتور أسامة الجامع تقريراً عن سيكولوجية المتحرش، والطريقة التي تساعد الفتاة على استعادة ثقتها بنفسها ونسيان ما حدث لها:
بداية يقول الدكتور أسامة: "إن الحديث عن حالات التحرش هو حديث حساس، وهذه العبارة أواجهها دوماً عند استقبالي لبريد إلكتروني تتحدث به فتاة تعرضت للتحرش، إلا أن شدة الاعتقاد بها أضرت بقضية التحرش الجنسي، وأغلب قضايا التحرش تدفن في الرمال، فالخوف من الآخرين يسيطر على الفتاة لدرجة تجعلها تصمت، التحرش لا يشمل فقط الفتيات، بل الفتيان أيضاً، إلا أن وضع البنت الاجتماعي في مجتمعنا يجعلها أكثر حرجاً".
وأضاف: "إن ما يقتات به الإنسان المتحرش ويؤيده بقوة هو صمت الفتاة، ولم يكن المتحرش يمارس فعله الشنيع بتكرار لولا أنه رأى فتاة لا تنبس ببنت شفة كلما أقدم على فعلته وتهرب ويغلفها الصمت والعار والخوف من الفضيحة، أو هكذا تظن، والمتحرش لا يقترب من الفتاة التي تجعل فعلته ناراً تلظى كلما اقترب منها، فهو لا يريد فتاة تصرخ وتفضحه وتقاومه، وأثناء استقبالي لقضايا التحرش عبر الهاتف الاستشاري أو البريد الإلكتروني أو المقابلة الشخصية في العيادة وجدت أن من تقع ضحية للتحرش تكون مهيأة مسبقاً بشخصية ضعيفة، هكذا تربت، وهكذا تجرأت عليها اليد الآثمة، والتحرش قد يحدث في أي مكان كالمدرسة والشارع والمحلات التجارية، وقد يكون في المنزل من قبل أحد الأقرباء، وهو الأغلب والأكثر صمتاً"، مشيراً إلى أن الفتاة الواثقة من نفسها التي تلقت من قبل والديها العديد من التحذيرات حول الموضوع قلما تقع ضحية للمتحرش، فهي لا تصلح له، لذا فإن أفضل طريقة تربوية ليست تجنيب الفتاة الذهاب بمفردها وإخفاءها، فالفتاة لابد أن تواجه المجتمع بتعليمها كيفية التعامل مع التحرش، وأفضل طريقة لمواجهة المتحرش تكون بضرب الوقود الذي يحركه وهي ثقته بأن الضحية ستصمت وتخاف وتقمع مشاعرها ثم ستبكي وتعود إلى أهلها ولن تخبر أحداً، وهو بالفعل ما يحدث، فالمتحرش لا يبدأ الخطوة بالتحرش الجسدي المباشر، بل يطلق ما يسمى بالونات اختبار ليرى ردة فعل الفتاة، فإن لم يجد شيئاً تجرأ أكثر، لذا على الفتاة أن تحرقه بردة فعلها منذ البداية وأن تخبر أهلها وبمن تثق بهم قبل أن يصعد باعتدائه لمستويات أعلى.
لكن ماذا لو كان المتحرش هو أحد الأقرباء؟
من الأخطاء الفادحة التي تحدث كتم الموضوع وتمريره وكأن شيئاً لم يحصل، والصحيح الوقوف عنده، لكن ليس المطلوب فضح الموضوع على رؤوس الخلائق، بل لابد من طلب المساعدة من كبير في العائلة، وينتشر الموضوع بين أقطاب الأكثر تأثيراً بالعائلة، لكن ينبغي للمتحرش بها أن لا تصمت، وكما قلت المتحرش يتغذى بصمت الفتاة فتزداد قوة.
وحول الحالة النفسية لمن تعرضت للتحرش أو الاغتصاب يقول الدكتور أسامة: "تختلف ردة فعل كل فتاة لما حصل لها، وكلما كانت ثقتها بنفسها ضعيفة كلما تضررت نفسياً أكثر، ولابد من الذهاب إلى مختص نفسي لمساعدتها من الخروج مما هي فيه من صدمة، فقد تكون مصابة بآثار ما بعد الصدمة Post stress traumatic disorder وتأتيها الأحلام والكوابيس أو تتضرر حالتها الاجتماعية، فترفض كل خاطب يطلب الزواج منها وتفقد الثقة بالرجال، أو قد تصاب بالاكتئاب Major depression وتعتزل الناس وتفقد شهيتها ولا أحد يعرف السبب، ومن الخطأ الاحتفاظ بالمشكلة داخل الضحية، فهذا ليس في صالحها على المدى البعيد، وتبقى مشكلة ثقافة أبناء المجتمع الذين يقبلون أن تتعرض الفتاة لأقسى أنواع العذاب لكتمها مشاعرها على أن تذهب لأخصائي نفسي إكلينيكي أو طبيب نفسي مستمرة، حيث يعتقدون أن الأمر عار وخزي، لكن الذي لا يعرفونه أنهم يفقدون الفتاة سريعاً على مر الزمن.
والأسوأ عندما يطلب الأهل من الفتاة الصمت وهم يعرفون المتحرش، فيصبح الأهل جزءاً من المشكلة بدلاً أن يكونوا جزءاً من الحل، ويساهم بعض الأهالي بجعل الفتاة تتحمل جزءاً من المشكلة، فيغشاها الشعور بالذنب، وللأسف لا يوجد قانون يحمي من التحرش، والفتاة ينبغي أن تكون محمية بقوانين البلاد بأقسى العقوبات لمن يجرؤ على المسّ بها بغض النظر عن اللباس أو المظهر، فهو موضوع آخر لا يبرر الوقوع بالخطأ، وأدعو الجهات المسؤولة لعقد دورات للمرشدين والمرشدات حول كيفية علاج التحرش الجنسي في المدارس خاصة، ولكل من تعرضت للتحرش لا توجد مشكلة ليس لها حل، ولا توجد دنيا سوداء، وهناك دائما أمل، كما أن هناك دائماً حلاً لو اتخذت القرار الجريء".
وختم حديثه قائلاً: "في النهاية، ينبغي التصدي لهذه المشكلة قبل أن تتحول إلى ظاهرة، وعدم إخفاء الموضوع بحجة أننا مجتمع محافظ، فهذا من الجهل، وأتمنى وجود دراسات وبحوث لهذه الظاهرة، وأن تستثمر تلك الدراسات في توعية المجتمع والحديث عنها عبر وسائل الإعلام".