ثمة أمراض خطرة، مصنّفة بأنّها نادرة بسبب انخفاض نسبة الإصابة بها واقتصارها على بعض الشعوب، ولعلّ أبرزها: «التليف الكيسي» الذي يتراوح معدّل الإصابة به من حالة واحدة لكل 3.300 مولود من ذوي البشرة البيضاء إلى حالة لكل 15.300 مولود من ذوي البشرة السمراء في الولايات المتحدة الأميركية، و«رباعية فالوت» الذي يمثّل 10% من حالات أمراض القلب الناتجة عن تشوّهات خلقيّة في تكوين القلب ويصيب المواليد الذكور أكثر قليلاً من الإناث، و«ضمور العضلات» الذي تظهر أعراضه في سنّ مبكرة لدى الأطفال الذين يعانون من تكرار السقوط أو صعوبة في المشي أو الجري أو صعود السلم، و«التهاب الكبد المناعي» الذي تمثّل الاناث نسبة 70% الى 80% من إجمالي المصابين به.
1- التليّف الكيسي Cystic Fibrosis
يفيد الاستشاري في الأمراض الصدرية بمستشفى الدكتور سليمان فقيه الدكتور أيمن خاطر بأن التليّف الكيسي مرض وراثي يصيب أساساً الجهاز التنفسي والبنكرياس، بالإضافة إلى أعضاء أخرى في الجسم كالجيوب الأنفية والغدد العرقية والأمعاء والكبد والجهاز التناسلي، إلا أنّه لا يؤثّر على ذكاء الطفل. تسجّل نسبة الإصابة به طفلاً واحداً من بين 2500 مولود في غالبية بلاد العالم، وخصوصاً في أوروبا وأميركا.
ينتج عن حدوث خلل رئيس في أحد الجينات المتخصّصة بتنظيم محتوى الملح لإفرازات الغدد بالجسم والتي تبدأ بإنتاج إفرازات لزجة وكثيفة تتسبّب في انسداد القنوات والمجاري التنفسية والمعوية والتناسلية، محدثةً أعراضاً مختلفةً. وقد يظهر هذا المرض في حال اجتماع جينين معتلين في المولود عن طريق الوالدين، حيث يحمل كل منهما إما جيناً واحداً فقط، وفي هذه الحال لا تظهر عليهما أي من أعراض المرض أو حمل أحد الوالدين أو كليهما جينين للمرض ما يؤدي إلى ظهور الأعراض. ويتم التشخيص عبر اختبار درجة ملوحة العرق والتي تكون زائدة عن الحد الطبيعي، كما يتم التأكد من بعض الاختبارات الجينية التي تجرى على عينة من الدم أو على خلايا تجويف الفم. وقد تختلف شدّة هذه الأعراض من مريض الى آخر.
- الأعراض: تظهر عادةً في السنة الأولى من عمر الطفل، ولكن يمكن في بعض الحالات أن تتأخر في الظهور إلى ما بعد مرحلة البلوغ، وتتمثّل في السعال المتكرّر والقشع الكثيف وضيق التنفس والالتهابات المتكررة بالرئتين والتي تحتم ملازمة المصاب المستشفى والعناية المركّزة أحياناً. ويتمّ العلاج بالمضادات الحيوية والبخّاخ الموسّع للشعب واستنشاق العقاقير المذيبة للمخاط كعقار «الدورنيز ألفا»، وقد يحتاج المريض الى استعمال الأُكسجين بصورة مستمرة.
- الآثار الجانبية: يمكن حصر الآثار الجانبية في انسداد القنوات بالبنكرياس وعدم وصول العصارة الهاضمة إلى الأمعاء، ما ينتج سوء الهضم وضعف الفائدة المرجوة من الغذاء، فيصاب المريض بسوء التغذية والانتفاخ والإمساك المزمن الذي قد يتسبّب في تأخّر النمو والبلوغ عند الأطفال، كما الاعتلال الشديد في الصحة العامة عند الراشدين والمتمثّل في الإصابة بالتهابات الجيوب الأنفية والعقم وتليّف الكبد والسكري وسقوط الشرج وهشاشة العظام.
- التوصيات العلاجية: يجب أن يخضع مريض التليف الكيسي الى تغذية خاصّة بإشراف متخصّص تشمل سعرات حرارية عالية وشرب كميات كبيرة من السوائل وتعويض الجسم بالفيتامينات والانزيمات الهاضمة، كما قد يحتاج إلى عناية متكاملة تشمل الحال النفسية والعلاج الطبيعي واللقاحات الواقية والتعويض عن الأملاح المفقودة وعلاج الإمساك، مع الأخذ في الاعتبار أنه قد تسوء الحالة المرضية للجهاز التنفسي والقلب لدرجة تستدعي عملية زراعة القلب والرئتين. لذا، ينصح الأطباء الأشخاص ذوي التاريخ العائلي لهذا المرض أن يطلبوا المشورة المتخصصة قبل الإقدام على الزواج لعمل الفحص اللازم الذي يستبعد كونهم حاملين لجين المرض.
ويقول الدكتور خاطر أنّه ورغم أن الصورة ما تزال قاتمة لبعض الحالات، فإن المستقبل يحمل معه أملاً جديداً مع العلاج الجيني والأدوية التي تتحكّم في نسبة ملوحة ولزوجة إفرازات الغدد، علماً أنّه في الستينيات كان مرضى التليّف الكيسي يموتون بعد شهور أو سنوات قليلة من الولادة، بينما في الوقت الحالي نرى أن هؤلاء المصابين قد يعيشون حتى الأربعين!
2- رباعية فالوت Tetralogy of Fallot
يشرح الاستشاري ورئيس قسم القلب والأوعية الدموية في مستشفى سليمان فقيه الدكتور حسن الطوخي ان رباعية فالوت تشوّه خلقي نادر يصيب المولود الذي يبدو أزرق اللون بسبب عدم اكتمال نموّ الجزء العلوي من الحاجز الموجود بين البطين الأيمن والأيسر أثناء تكوين القلب، ما يؤدي إلى اختلاط الدم المشبع بالأكسجين مع الدم الذي لا يحتوي على نفس الكمية من الأكسجين. ويمكن اكتشاف هذه الحالة عند الأطفال حديثي الولادة من خلال ملاحظة لونهم الذي يميل الى الزرقة أو بالموجات الصوتية على القلب التي تمدّ الطبيب بالتشخيص النهائي.
- الأسباب المباشرة: حتى الآن، لا يمكن الحسم بوجود أسباب مباشرة للإصابة بهذا التشوّه الخلقي للأطفال، ولكن تفيد الإحصائيات الحديثة الى أنّه ينتشر بين زيجات الأقارب أو في حال إصابة الحامل بأمراض فيروسية، وخصوصاً في خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. لذا، يُوصى بإجراء كشف طبي للزوجين قبل الارتباط، مع فحص التاريخ العائلي، وذلك لتجنّب الإصابة بأي تشوّهات خلقيّة.
- التوصيات العلاجية: يستلزم علاج هذه الحالات التدخّل الجراحي. ومع التقدّم الطبّي المذهل، يمكن اجراء تصحيح جراحي للرباعي فالوت لدى الأطفال حديثي الولادة، ما يتيح عودة القلب إلى حالته الطبيعية وضمان النمو الطبيعي للطفل، علماً أنه في الماضي كان يتم التدخل الجراحي في سن متأخرة. ويوصي الأطباء بالمتابعة المستمرة للأطفال في عيادة القلب شهرياً لمدّة سنة بعد العملية، ثم تتمّ المتابعة بعد ذلك كل ستة أشهر مع أهمية إجراء موجات صوتية بانتظام وعلى فترات متقاربة.
3- ضمور العضلات Musclar Destrophy
يصف استشاري المخ والأعصاب في مستشفى سليمان فقيه الدكتور أحمد حجازي ضمور العضلات بأنه عرض وليس مرضاً في حدّ ذاته بمعنى أنه يعتبر ظاهرة مرضية تتجسّد في أمراض عدّة ومختلفة، يشكو منها المريض ويلاحظها الطبيب عند المناظرة الإكلينيكية. وقد يحدث ضمور العضلات في المراحل المتقدّمة لمرض العضلات، بحيث يبدأ بضعف في القوّة الحركية، ثم نقص مضطرد في حجم العضلات، وينتهي أخيراً بمرحلة الضمور.
- أشكال المرض: تظهر أعراض ضمور العضلات في أمراض عدّة مختلفة، أبرزها: أمراض العضلات (الأولية أو الثانوية) ومرض النقص في المادة الكيميائية الموصلة للإشارات العصبية بين العضلات ونهايات الأعصاب وأمراض الأعصاب الأولية أو الثانوية وأمراض الخلايا الأمامية بالنخاع الشوكي وأمراض النخاع الشوكي وأمراض المخ المختلفة.
- أنواع المرض: يقصد بضمور العضلات أمراض العضلات فقط دون غيرها، وخصوصاً الوراثية منها. وقد قسم الباحثون هذا المرض إلى أنواع عدّة، أبرزها وأكثرها شيوعاً وانتشاراً:
- متلازمة دوشين: تبدأ في الظهور ما بين سن الخامسة والخامسة عشر، وتقترن بوجود ما يسمّى بالتضخم الكاذب لبعض العضلات، خصوصاً عضلات الساق الخلفية، إلى جانب إمكانية إصابة كافة عضلات الجسم بالضمور العام. وفي الحالات المتطورة، يمكن أن يشمل هذا الضعف العضلات التالية:الوجه والبلعوم والتنفس والقلب، فيصبح المريض غير قادر على الحركة، خصوصاً عند القيام من وضع القرفصاء أو من الجلوس، كما تصبح هناك صعوبة في البلع والتنفس وتضخّم وضعف بعضلة القلب، ما يؤدي إلى حدوث الوفاة غالباً في نهاية مرحلة العشرين وبداية الثلاثين.
- متلازمة بيكر: تبدأ أعراضها في الظهور في الفترة التي تتراوح ما بين العشرين والأربعين من العمر، وغالباً ما تكون متوسّطة في شدّة الإصابة بها. وقد لا يتطور المرض بمتلازمة بيكر إلى المراحل الشديدة السابق ذكرها في متلازمة دوشين. كما لا تؤدي الإصابة بها إلى الوفاة بسبب عدم حدوث إصابة لعضلات الوجه أو البلعوم أو التنفس أو عضلة القلب.
- نظرة مستقبلية: واذ يغيب العلاج الشافي لهذا المرض حتى وقتنا الحالي، ثمّة تجارب تتمّ في صورة علاج للجينات المتوارثة عن طريق علم الهندسة الوراثية الذي يتم فيه استبدال الجين المصاب بآخر سليم أو عن طريق زرع الخلايا الجذعية التي يعتبرها الباحثون علاجاً واعداً إذا ما تمّ نجاحه.
4- التهاب الكبد المناعي Autoimmune Hepatitis
يُوضح استشاري أمراض الباطنة والجهاز الهضمي في مستشفى سليمان فقيه الدكتور نادر فريد أنّ التهاب الكبد المناعي مرض يهاجم الجهاز المناعي، متسبّباً في إحداث خلل في بعض وظائف وأجهزة الجسم الداخلية. وقد خلص الباحثون إلى أن العوامل الوراثية هي أحد أهم أسباب الاضطرابات المناعية. وعادةً ما تكون الإصابة به مزمنة، وتؤثّر بشكل سيئ على الشخص البالغ إن لم يعالج في مراحل مبكرة من حدوثه، ما يؤدي إلى تليّف الكبد أو الفشل في القيام بوظائفه.
أقسام المرض: حديثاً، قسّم العلماء الالتهاب الكبد المناعي إلى قسمين، هما:
- القسم الأول: يصيب فئات عريضة في أي مرحلة عمرية، ولكنه عادة ما يحدث في مرحلة المراهقة أو الشباب المبكر أي ما بين سنّ 10 إلى 30 عاماً وما بين 40 إلى 50 عاماً. وتصاحبه اضطرابات مناعية أخرى كالبول السكري من النوع الأول أو التهاب الكلى المناعية أو التهاب الغدة الدرقية المناعية أو التهاب القولون.
- القسم الثاني: يصيب الأطفال من سن عامين الى 14 عاماً، ويمكن أن يصيب البالغين أيضاً، ولكن بنسبة بسيطة.
- أعراضه: تتمثّل في الشعور بالإجهاد المزمن وظهور بعض الأعراض الجانبية التي قد تصاحب العديد من الأمراض الأخرى، كالغثيان وآلام المفاصل واصفرار العين والجلد وتضخّم الكبد.
- تشخيص المرض: يتم التشخيص عن طريق تحاليل الدم الخاصة بالمناعة أو أخذ عيّنة من الكبد وفحصها مجهرياً. ويعد العلاج بسيطاً يمكن السيطرة عليه من قبل الطبيب المتخصص.