حصلت على الدكتوراه وأنتِ في سنّ الخامسة والثّمانين، فما الذي دفعك للتفكير في مواصلة الدّراسة والبحث في مثل هذه السنّ المتقدّمة؟
ترعرعت في بيت يجلّ العلم، والدي كان متأثّراً بأفكار المُصلح التونسي الطاهر الحدّاد محرّر المرأة التونسيّة، لذا كان أبي على درجة كبيرة من الوعي، وأصرّ على أن أواصل تعليمي، ولم يكن ذلك أمراً عاديّاً في فترة الاستعمار الفرنسي فعدد الفتيات اللاّتي تابعن تعليمهنّ في ذلك الوقت قليل جداً، تابعت دراستي وأصبحت مدرّسة تعليم ابتدائي، لكنّ ذلك لم يرض طموحي وبعد زواجي عام 1958 قرّرت مواصلة الدراسة في الجامعة، رغم صعوبة التوفيق بين الدّراسة وواجباتي الأسريّة بعد إنجابي لبناتي الأربع وعملي كمدرّسة، فإنّي نجحت في نيل شهادتي الجامعية، وبعد تقاعدي قرّرت وبتشجيع من بناتي الأربع وزوجي مواصلة دراستي، وسجّلت نفسي عام2005 في مرحلة الدكتوراه، كان طموحي جارفاً لإتمام بحثي، وناقشت أطروحتي في مايو(آيار)2015 وحصلت على الدكتوراه بتقدير جيد جداً، محققة بذلك حلم حياتي في أن أكون دكتورة في الأدب الفرنسي.
شهرة وإعجاب
لاقى حصولك على الدكتوراه في هذه السن، اهتماماً إعلامياً وجماهيرياً، فهل كان ذلك سبباً في شهرتك؟
لم أكن أتوقع أن يلاقي خبر حصولي على الدكتوراه في هذه السنّ كلّ هذه الضجّة الإعلاميّة، وشعرت فعلاً بأنّني أصبحت مشهورة بسبب ذلك، فالناس يتعرفون عليّ في الشارع ويهنئونني بالنجاح.
ماذا تقولين لبعض الشبّان الذين تنقصهم العزيمة للاستمرار في الدراسة؟
أقول لهم إنّ الإنسان عليه السعي لتحقيق أهدافه، وأنصحهم بالمثابرة وعدم الاستسلام؛ لأنّ اليأس هو العدو الأوّل للنجاح في الحياة.
هل تشعرين أنكِ، بإنجازك هذا، مثال يُحتذى به في العزيمة في طلب العلم؟
نعم، حتّى أنّ أستاذي المشرف على أطروحتي أخبرني أنّ عدداً من المتقاعدين مثلي تقّدموا بطلبات لمواصلة البحث العلمي، وكثيراً ما استوقفني أشخاص لا أعرفهم؛ ليعلموني بأنّهم قرّروا مواصلة الدراسة بعد أن علموا بنجاحي.
هناك مقولة معروفة: «الفنّ للفنّ»، وسعيك للحصول على الدكتوراه وأنت تعلمين أنّها لن تفيدك في مهنتك، فهل يصحّ القول بالنسبة لك: «الشهادة للشهادة»؟
أعتقد ذلك، لقد حصلت على هذه الشهادة وأنا أعلم أنّني لن أدرّس في الجامعة، ولن تفيدني مهنيّاً أو ماديّاً.
يوجد في الغرب أمثلة لرجال ونساء حصلوا مثلك على شهادات علميّة في سنّ متقدّمة، فهل هناك نماذج مماثلة في العالم العربي؟
لم أسمع عمن حصلت على هذه الشهادة في مثل سنّي في العالم العربي.
رئيس الجمهوريّة خالف البروتوكول وقبّلني
ماذا قال لك رئيس الدولة الباجي قائد السبسي، عند تكريمك بمناسبة يوم العلم؟
حسب البروتوكول يكتفي رئيس الدولة بمصافحة المتوّجين في يوم العلم، لكن حين نودي على اسمي لتسلّم شهادة التقدير فاجأني قائلاً «أنت سأقبّلك» وعبّر لي عن إعجابه بما قمت به مؤكّداً أنّه شرف لكلّ تونس.
*لماذا أخفيت خبر أمر دراستك عن المحيطين بك؟
وحدهم زوجي وبناتي كانوا على علم، وقد أخفيت خبر تسجيلي في الدكتوراه عن بقيّة الأهل خشية ردود أفعالهم، وقد فوجئوا عندما بلغهم خبر مناقشتي لأطروحتي.
الآن وقد أصبحت دكتورة في الأدب الفرنسي هل ستواصلين البحث والتأليف؟
بالتأكيد، وقد اتفقت مع أستاذ كان ضمن لجنة المناقشة، على إجراء بحوث وإعداد دراسات حول وضعية المرأة التونسية لأصدرها في كتاب.
كيف تقضين أوقات فراغك الآن؟
لم أتعود على البقاء دون شغل، فبعد تقاعدي كنت أدرّس بكلية خاصّة، والآن أكتفي بالمطالعة، كذلك أشاهد التلفزيون وأتابع الأخبار.
هل تعلّقين شهادتك في الصالون؟
لم أتسلمها بعد ولكنّني سأفعل ذلك، فهي بالنسبة لي أثمن من أيّ لوحة قد يرسمها أكبر فنّان في العالم.
نعم للدكتوراه لا للفايس بوك
كيف كان شعورك وأنت تقفين أمام لجنة من الدكاترة يصغرونك سنّا؟
شعرت بالخوف يومها وبالتوتّر، وقد حاول أعضاء اللجنة مساندتي، وطلبت رئيسة اللجنة منّي أن لا أتأثّر بما سأسمعه لأنّ نقد اللجنة لي لا يقلّل من أهمية بحثي.
هل تلقيت تهانئ من تلامذتك القدامى؟
فقط واحدة من تلامذتي هنّأتني، لكن في المقابل استعدت صداقات قديمة، فقد فوجئت بزيارة زميلات درسن معي بالمدرسة العليا للمعلمين، لم ألتق بهنّ منذ عشرات الأعوام، وجئن خصيصاً لمنزلي لتهنئتي.
درست مع طلبة بعمر بناتك هل استطعت التأقلم معهم؟
لم أجد صعوبة في التأقلم مع حياة الشباب، على العكس شعرت بأنني استعدت شبابي بفضلهم، وكثيراً ما أكلنا وجلسنا لاحتساء الشاي والقهوة معاً.
استغرب البعض عندما قلت إنّك لا تملكين حساباً على «الفايس بوك» لماذا؟
ليس لديّ حساب، ولا أظن أنّني قد أمتلك واحداً يوماً ما، فهذا العالم لا يغريني، ولا أجيد التعامل معه، وعلاقتي بالكمبيوتر تقف عند حدود الطباعة.