من يذهب لزيارة لندن خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، يلاحظ هذا الحضور الكبير لزهور الخشخاش الحمراء التي يضعها البريطانيون في عروات الثياب وعلى الياقة والجيوب، أو يزينون بها القبعات وكتب الدراسة، وحتى زجاج السيارات، وهو طقس لا يتخلّف عنه صغير أو كبير، أرستقراطي أو بائع صحف، وزير أو منظف شوارع.. فما حكاية البريطانيين مع هذه الزهرة؟
زهور جميلة وقصيرة العمر
تستخدم هذه الزهور في بريطانيا كرمز للتذكير والتعاطف مع ملايين الضحايا من قتلى الحربين العالميتين الأولى والثانية، ممن كانوا في الغالب جنوداً يافعين يشبهون زهور الخشخاش الجميلة والمفعمة بالحياة، التي سرعان ما تذبل وتذوي بعد أيام قليلة من تفتحها، وهي بذلك تشبه حياة الجنود الصرعى في ساحات الحروب. ويعود هذا الرمز أساساً إلى قصيدة كان قد كتبها طبيب مجند كندي، إبان الحرب العالمية الأولى، تحمل عنوان «في حقول فلاندرز»، ربط فيها بين هذه الزهور والجنود القتلى، وسرعان ما تلقف الجنود هذه القصيدة وبدأوا يترنمون بها، وبعد سنوات وضعت إحدى السيدات النيويوركيات زهرة خشخاش حمراء في عروة قميصها، ثم انتشرت هذه الظاهرة، ووصلت إلى أوروبا، وتحولت القصيدة إلى نشيد وطني في كندا، وأيضاً إلى أحد مقررات منهج الثانوية في بريطانيا. ويقول أحد مقاطع القصيدة:
نحن القتلى.. كنا أحياء قبل أيام..
لقد عشنا الحياة..
وأحسسنا بنداوة الفجر..
وتوهّج الشمس..
وقد كنا عشاقاً..
ومعشوقين..
ولكننا الآن صرعى متناثرون في «حقول فلاندرز»..
المسلمات وزهور الخشخاش
وعلى مدى سنين طويلة، نأى مسلمو بريطانيا بأنفسهم عن هذا الطقس، عدا بعض المشاركات الفردية هنا وهناك، ولكن عام 2013 جاء ليقلب المعادلة تماماً؛ بعد أن طرحت إحدى المنظمات البريطانية «إيشارب» يناسب المسلمات المحجبات، وهو مزين بأعداد كبيرة من هذه الزهور الحمراء، وكان ذلك بمثابة دعوة غير مباشرة لمسلمات بريطانيا لإظهار التعاطف مع ضحايا الحروب إسوة ببقية البريطانيين، وقد تفاجأ القائمون على هذه المنظمة بسرعة تفاعل المسلمات مع هذا الإيشارب، حيث بيع منه أكثر من مليون قطعة، وفي العام التالي توسعت الفكرة وتبنتها «الجمعية الإسلامية في بريطانيا»، بالتعاون مع منظمة «مستقبل بريطانيا»، بعد أن خفّضوا سعر الإيشارب من 22 جنيهاً إسترلينياً إلى 20، وبدأوا بالترويج له عبر الإنترنت، وقد نجحت الفكرة بطريقة مدهشة، إلى حد أنهم اضطروا إلى الاستعانة بطلبيات جديدة بعد أن نفدت الكمية المتوافرة لديهم لمرتين خلال أسبوع واحد. والإيشارب من تصميم البريطانية المسلمة «تابيندا كوثر آشهاق» (25 عاماً)، التي درست التصميم، وقدمت هذا الإيشارب كجزء من أطروحتها الدراسية، وهي ترى أن فكرتها بسيطة جداً ولكنها مؤثرة، وهي تعطي للمرأة البريطانية المسلمة الفرصة كي تظهر تعاطفها الإنساني مع ضحايا الحروب، وأن تقول إنها فخورة؛ لأنها جزء من نسيج بريطانيا.
عن زهور الخشخاش
• يبدأ التزيّن بزهور الخشخاش الصناعية منذ بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، وحتى نهايته، وقد اختير هذا الشهر؛ لأنه شهد توقيع اتفاق الهدنة وإنهاء الحرب بين ألمانيا ودول الحلفاء.
• تُصنع الزهور من الورق أو البلاستيك، وتأتي على شكل زهرة حمراء، تتوسطها دائرة سوداء أو خضراء.
• تباع في بريطانيا سنوياً ملايين الزهرات، وتصل إيراداتها إلى أكثر من ثلاثين مليون جنيه إسترليني.
• هنالك بعض المعترضين على هذا الطقس، ومنهم الإعلامي الشهير «جون سنو»، مذيع القناة الرابعة البريطانية، الذي يصرّ على الظهور على الشاشة دون أن يزين سترته بوردة حمراء؛ لأنه يعتبرها زهوراً دموية، كما يقول.
لماذا تتزين مسلمات بريطانيا بزهور الخشخاش الحمراء؟
- أخبار
- سيدتي - سميرة التميمي
- 15 نوفمبر 2015