ماذا تظنين نفسكِ أيتها المتكبِّرة المخدوعة؟
منْ قال إن الجمال وحده، جمال الجسد، يكتمل به الحسن، وينجذب له القلب؟
إن الجمال البارد يجعل الحسناء دمية، كتمثال من البلاستيك في واجهة عرض زجاجية تعرض أزياء النساء الملتفة به الأنثى الجماد لترتديه الحية.
عيناك زجاج ملون، روحك زهرة صناعية، والحمد لله أن قليلا من الحِسان مثلك، والكثرة الغالبة أرواح دافئة وقلوب خافتة، وعيون يلمع فيها المرح والحنان، وتبتلّ أحيانا بدمع الرثاء أو الحزن أو الفرح.
أما أنتِ فقد لمست يدكِ فوجدتها باردة، شفتاكِ مبتسمتان بسمة تكذبها عيناكِ، وعيناكِ لمعة زجاجية فيها قسوة ثلجية، وتعالٍ واحتقار.
منْ تظنين نفسك إذن أيتها الدمية؟ إن عرائس الباربي فيها حياة أكثر منك، على الأقل ليس فيها قسوة، ليس فيها انخداع بالنفس يتجلى في نظرة جامدة متكبرة.
ستمر سنون، وكل منْ اقترب منك منجذبا بجمال لمحه من بعيد، سيكتشف حقيقتك فيبتعد، ساعتها حين تذبلين وتتشقق قشرة حسنك ستعرفين أن غرورك بجمالك لم يكن إلا وهما خدعت به نفسك، وأنك امرأة لا تستحق إلا الهزء والرثاء.
بعد هذه المحاضرة أو «الدش» نظرت لي –باحتقار طبعا- وقالت:
سأظل جميلة، ستمر السنون التي تتكلم عنها وما أزداد إلا جمالا، تماما كزهرة صناعية، لا أتأثر بالذبول، لا تسودّ أطرافي كوردة بلدية مرت عليها أيام، سأظل أنا كقنينة عطر أو شراب معتق، وما أنت إلا حاقد لأنني رفضتك.. لقد اتضح لي ضعفك؛ عدم قدرتك على اقتحام الحياة، وخطف اللذة والجبروت عنوة.
نعم، في عينيّ احتقار لكَ، لكَ وحدك، وما قسوتي إلا عليك، فاذهب؛ إني أطردك من فضائي، اهبط للحضيض الذي جئت منه، ولا ترفع وجهك في وجه حضوري بعد الآن.
- أيتها المتفاخرة، إني تركتك من قبل أن تطرديني، ذهبت لفتاة، لا شقراء مثلك ولا زرقاء العيون، فتاة عيونها سوداء وشعرها، سمراء بشرتها، كلها حنان وابتسام، أهدابها أرتاح في ظلها من وهج عينيها العاشقتين، خطوها كنسمة تمر، أو كانسياب غدير، يدها بلسم يسري من يدي إلى قلبي فينام الهم، وتنحدر الآلام، ويرتاح الخوف من نفسه ويعترف بذنبه حين يطرده القلب، ويتنازل الغضب عن أحقيته في الوجود.
وجودها، مجرد وجودها، علاج من كل داء، لحظة سلام تدوم وتمتد، وتحيط بي، بالروح والجسد، بالبيت والشارع والوجود، إنها عكس الجميلة الباردة، تلك جسد فارغ، وحبيبتي روح خالصة تسكن جسدا يشبهه.
الحمد لله الذي هداني لجميلتي، الذي ألبسني هذا الطيلسان الدافئ الفخم، ثوب الملوك في زمان هارون الرشيد.
الحمد لله الذي أعطاني فتاتي، فأعطتني حياة أنجبت لي عصافير وياسمين يعرّش في قلبي ويمتد، يكسو جدار البيت، ويتسلقه للسطح ويمتد، يغزو السماء لمصلحة الأرض، ويجعل الحياة في عيوني صورة شعرية كلها سلام وهناء.
العصافير تحط على سور الشرفة
العصافير تدخل قلبي وتخرج منه
تسكنني
تشدني من يدي؛ كي أشتري لها الحلوى
وأنتِ سقف البيت وأرضه ونافذته وجدرانه
أنتِ شرفة البيت، أطل منها على شارع ظليل، تخيّم عليه أشجار متعاشقة. ونحن متعاشقان كالشجر.
أنت صورة شعرية، في كتاب نفيس، تنتهي الحياة، حتى جسدك ينتهي، وتبقين
ما أقلكِ جسما وما أكثركِ عليَّ
كأني امتلكت الوجود كله
وأنت رقيقة كنسمة
تمرين فتمكثين
تعبرين فتبقين
ما أخفك أيتها النسمة
وما أثقلك في ميزان العدل والنعيم.