حكاية الرجل الذي هرب
من ملك الموت إلى الهند
يُحكى أنه ضحى يوم، كان سيدنا سليمان يجلس على عرشه، يحيط به الإنس والجن، ومن كل جنس، عندما دخل عليه رجل من رعيته مفزوعًا، مضطربًا، قال لسيدنا سليمان الحكيم: «الحقني، أنقذني يا مولاي..
تعجب سيدنا سليمان، تساءل:
«ماذا بك؟»
قال الرجل إنه كان في الطريق عندما رأى سيدنا عزرائيل (ملك الموت)، نظر إليه شزرًا، وبدا غاضبًا، حانقا، تملكه رعب، أدرك أن أوانه دنا واقترب، لذا يرجو سيدنا سليمان الحكيم أن يأمر الريح بحمله إلى الهند، إلى أقصى نقطة هناك؛ حتى ينجو من الموت.
رق سيدنا سليمان له، أمر الريح، فحملته في غمضة عين إلى الهند. وبعد قليل ظهر سيدنا عزرائيل في بلاط سيدنا سليمان الحكيم، فعاتبه قائلا:
«تسببت في غربة أحد رعيتي ونأيه عن وطنه، لماذا نظرت إليه غاضبًا عندما قابلته، لماذا أرجفته؟»
قال سيدنا عزرائيل:
«لم أنظر إليه غاضبًا، إنما نظرت إليه متعجبًا؛ لأن الله أمرني أن أقبض روح هذا الرجل في الهند، فلما رأيته هنا تعجبت: كيف سيصل إلى الهند وأنا مأمور بقبض روحه بعد لحظات؟».
رجعي إلى ما انقطع
اعلم يا أخي أنني قمت فزعًا، وكان أقرب باب إليَّ يؤدي إلى الشرفة، فاتجهت إليه، فتحته، وشرعت في اعتلاء السور؛ لأقذف نفسي إلى الطريق؛ ظنًا مني بتمكني من هروبي مما ينتظرني، إلا أن امرأتي
منعتني، كما أن وعيي دبت فيه الروح الحافظة، فعدت إلى الداخل مبتلا بعرقي، وبين الحين والحين أردد: ما زلت أعيش، ما زلت أعيش، في اليوم التالي مضيت إلى الطبيب يداويني، أصغى إلى قلبي، وتتبع بحرص دقات نبضي، هز رأسه قائلا: ما من عرض جديد، أما العلة القديمة فلا تسبب ما عرض لي، نصحني بالذهاب إلى طبيب يداوي النفوس، بقدميّ يا أخي سعيت إلى أحدهم، أصغى، دوّن ملاحظات شتى، ثم قال لي: إن ما أشكو منه، وما مر بي كأنه سطور في كتاب طبي، إنه حالة شديدة من الاكتئاب تجثم عليَّ، وصف لي أدوية ومعالجات، هذا ما قاله لي يا أخي، ولكن ما لم أقله له، ما لم أصرح به لأحد، إن احتضاري بدأ هذه الليلة، وقد علمتني التجربة أن البعض يبدأ احتضارهم في الثلاثين، وقد يعيشون حتى الستين أو السبعين، وعبر السنوات التالية مررت بمراحل شتى، وأعراض لا قبل لي بها، ونمت وأنا على يقين بأن النهار لن يطلع عليَّ، وقمت فزعًا مرات في الليل، وعندما أصبحت يتيما من أبي دنا مني الموت، وعندما اكتمل يتمي بفقدي أمي، انهار حاجز كنت أعده حاميًا، واقيًا، وعندما انسد وريد في ساقي، واضطجعت سبعين يومًا، أيقنت أنني قطعت شوطًا، نال مني النصب، وهدني التعب، وصاحب هذا البعد عن الأصحاب، وندرة الرفقة، وشحوب المحبة، وتزايد البغضاء، واضطراري إلى بذل المجهود؛ حتى أقيم سبل العيش لولدي، وأمور أخرى عديدة تكأكأت كلها عليَّ، حتى ظننت أن سوقي كسد، ومتاعي فسد، وأن ركبًا اعترض، وأياما انقضت أكثر مما تبقت، لم يهدأ هذا الاحتضار، ولم يخف أوجه، وتهن شدته، إلا عند اكتمال ظهور هذه البنية السلافية، في تلك الديار الآسيوية، وبتراثي الموجع هذا كله واجهتها تلك الليلة.