حكى الهدهد المتوج لعصفور الجنة –الزهرة ذات العرف الناري- قال:
- في يوم من الأيام قبل ظهور الإنسان، لم يكن يتحدث في الأرض غيري وغيرك، وإخواننا في ممالك الطير، أما الآن فنحن نتحدث في السر، خشية أن يسمعنا ابن آدم فيصطادنا بمكره، ويضعنا في قفص فرجة للعالمين.
رد عصفور الجنة:
- صدقت يا أخي، ولولا عرفي الناري لاختطفتني الأيدي وعرضتني كالطويلة البلهاء في زهرية بين وردات قصار.
- كان أعذب وأوضح حديث بلسان الطير، والآن يأكلون لسان العصفور.
- بل يأكلون العصفور نفسه.
- حقًا يا أختاه، يأكلون قائمة طويلة من طيور الأرض والسماء، حتى الديك العظيم مؤذن الفجر.
- ينهشونه ويشكون غلظة اللحم، فلمَ يذبحونه إذن؟
- بالله عليك، أغلقي هذه السيرة المشؤومة.
- من حسن حظنا أنك هدهد وأنا زهرة.
- هل تحسبين أنهم يعتقونني؛ لأني لا أوكل؟ بل يشقون صدري وينتزعون قلبي حيًا ويبلعونه، اعتقادًا منهم أن قلبي يهب بالِعه البلاغة والفصاحة.
- عجيب أمرهم، امتلكوا الأرض، وتطاولوا في البنيان، واحتلوا الفضاء ومازال عقلهم في طور الهمجية.
- وتسمعينهم يتحدثون فتقولين حكماء أو شعراء ملهمين، ثم يطلع فجأة من يشتم الجميع، وينهال الطوب من حلقه على الناس ومخلوقات الله.
- دعنا من هذه السيرة.
- وهل سيرة غيرها لمطرودين من أوطانهم، ممالك الطير التي كانت سيدة السماء ولها في الأرض مزارات ومطارات ورزق كريم؟
- سبح بحمد ربك فلهذا خُلقنا، ولا تحسد الناس فحسبهم أنفسهم، تنهشهم كما ينهشوننا، وتعذبهم وتغربهم عن أوطانهم، لكن لا هم ولا نحن طردنا من رحمة الله.
- ونعم الله.
- تاج الحكمة على رأسك يا أخي الهدهد، وأنا عصفور الجنة، وهذا يغنينا عن العالمين.
- نعم، ولكني أحن للماضي الجميل، قالها الهدهد ثم استأذن صاحبته وطار، وكان طفل مار فرأى زهرة عصفور فأمسكها من رأسها فأحرق يده عرفها الناري، فبكى الطفل فحنت عليه الزهرة وخاطبته قائلة:
- لا تحزن يا ولدي، وتعلّم أن النار أقوى عناصر الأرض، وأن الماء الضعيف المسالم أقوى من النار، وأن رحمة الله أقوى من الجميع، وابتسم؛ لأنك أول موجود يكلمه الطير، فدعك الولد عينيه دهشة وقال:
- يا زهرة يا جميلة، أنا أحبك، وأنت طيبة، فلماذا أحرقت يدي؟
- لقد خلق الله هذا التاج ليحميني.
- ولكني مددت يدي نحوك؛ لأنك جميلة.
- أعرف ذلك، فلا «تزعل» سأحكي لك حكاية.
- نعم نعم. حكاية، مرحَى.
- في يوم من الأيام حط عصفور على كتف ولد جميل مثلك، ووشوشه قائلاً: بلسان الطير أحكي، كانت السماء أشد زرقة، والأرض أزهى خضرة، لكن الإنسان الذي لوث الأرض والسماء أدخل الحب إلى ميزان حسنات الوجود، وشفعه بالعلم، وبلسان الطير أقول لك يا صغيري: ابتهج وافرح، والهُ بالكرة، وعد إلى أحضان أمك وأبيك، وانهل من الحب حتى ترتوي.
وإذا كان الإنسان أكثر الكائنات تدميرًا، فإنه انفرد بنعمة الحب وصنع الجمال، وإن كان لا يفقه لسان الطير، فإنه يطرب لغنائه، ويقلده في موسيقاه، ويرسمه في لوحاته، ويشبه به المحبوبة في شعره، والطيبون من بين آدم ينثرون الحب للطير أو يملؤون منه راحاتهم؛ ليهبط العصفور يشرب من حنانها.
وأسلمت الزهرة نفسها ليد الطفل وسار بها سعيدًا إلى بيته