على هامش الصفقة


مساحة السطح مناسبة لما في ذهن الياباني، عرض زميلي عليه خطوط التصميم الأولي، طلب الرجل بعض التوضيحات، وكان من الممكن أن أتدخل، لكنها ألهتني تماما.

وقفت على بعد سنتيمترات منه، تدون كل ما تسمعه في مفكرة بيضاء أنيقة، وشعرها الكاريه المنسدل يحجب وجهها.

أشار بيده إلى إحدى زوايا السطح، وتنقلنا معه، طرق كعب السكرتيرة العالي الأرضية بحدة، اقتربت منها، ولفحني عطرها.

" انتبهي. الأرضية زلقة... "

" أدري، شكرا "

لوحت بشعرها المنسدل كالحرير، غرة قصيرة، وكاريه متقن، أصباغ كثيرة، وملامح شبيهة بملامح الآسيويات.

" مغربية ؟ "

" أجل، بالتأكيد..." نبرة استغراب في ردها المقتضب. وشيء من التهكم.

تواصلت المناقشة، الياباني غير راض تماما عن اقتراحات مكتبنا، وزميلي يحاول إرضاءه، يفترض أن أتتبع الحديث؛ يمكن أن يحتاج زميلي لتدخلي.

" العمل معهم صعب "، أشرت بذقني للياباني، الآسيويون دقيقون في اختياراتهم، ومتطلبون في خدماتهم.

التفتت إليَّ، يدها لا تكف عن الكتابة " إنه يومي الأخير في الشركة..."

رفعت حاجبي بفضول، استدار رئيسها وهمس في أذنها بشيء. وتبعته.

" ما خطبك ؟" سألني زميلي بانفعال

"سنخسر الصفقة إن لم يقتنع، افعل شيئا!" نزلنا إلى مكاتب الشركة اليابانية، وجلسنا حول مائدة مرطبات وبدأنا في مناقشة المشروع. تحويل السطح إلى ملحق راق  منفتح على ما حوله، قاعة استقبال زجاجية ومكاتب وتراس مشجرة. جلست السكرتيرة خلف زبوننا المتطلب، ولم ترفع رأسها مرة واحدة.

لم أصدق عيني حين رأيتها أسفل المبنى، لحظات بعد انفضاض الاجتماع، استأذنت من زميلي، وتجاهلت حنقه، واقتربت منها.

" لدي نصف ساعة للغذاء " قالت لي وهي تبتسم، ورافقتها دون أن أطلب منها الإذن.

" تتقيدين بكل هذه الشروط رغم أنه يومك الأخير في الشركة ؟ "

" طبعا. العمل هو العمل، هل تحب الأكل الصحي ؟ "

هززت رأسي وأنا أتأمل عينيها المشدودتين كعيون اليابانيات، وفمها المصبوغ، وبشرتها الصافية.

" هناك مطعم جديد في المركز التجاري، أكله صحي مائة بالمائة، تشرف عليه اختصاصية تغذية. تفضل. "

 قادتني إلى سيارتها، حاولت الاعتراض : " المركز التجاري ؟ إنه بعيد، لم لا نتناول شيئا في المحلات القريبة ؟ "

أشاحت بوجهها، وتراقصت خصلاتها الناعمة : " ألم تسمع ما قلته ؟ إنه المطعم الوحيد الذي يقدم أكلا يمكن أن أثق فيه، لكنني لن أجبرك على مرافقتي..."

جلست قربها وشغلت محرك السيارة وهي تتابع: " كل نساء المدينة يذهبن إليه، أتمنى أن نجد منضدة شاغرة.."

قررت من زمان أن أكف عن محاولة فهم النساء، يكفيني النظر إليهن، والاستمتاع بجمالهن.

 شققنا طريقنا بين الطاولات المكتظة، لم أذهب إلى المركز التجاري منذ زمن، ولم أعرف أن فيه مطعما صحيا.

جلسنا، وشعرت بالسرور لأنني رافقتها، وضعت ذقنها على كفيها المشبوكين، وابتسمت لي، وغمرني فرح طفولي.

" أتمنى لو أستطيع أن أبقى في الشركة، العمل مع اليابانيين متعب، لكنه مفيد، الأجرة جيدة والتجربة مثيرة..."

لا يعرف اليابانيون ماذا يخسرون، قلت لنفسي.

" تعاقدت معهم لستة أشهر، السكرتيرة السابقة خرجت في إجازة صحية، وستستأنف عملها غدا. "

" وماذا ستفعلين ؟ " سألتها وفكرت في أنه سيكون من الرائع أن أجد لها مكانا في شركتنا.

" سأبحث عن وظيفة أخرى، لن أموت من الجوع... أتعرف ؟ " ضحكت، وضحكت معها، ووجدت طعم سلطة الخس والجزر طيبا، وجو الصالة المكتظة دافئا، والحياة حلوة، والسعادة في المتناول.

" تبدو وسيما عندما تبتسم " قالت لي:

" لكنك لا تفعل ذلك كثيرا، ينبغي أن تبتسم. "

رفرف قلبي وانشقت شفتاي عن ابتسامة خيل إليَّ أنها انطلقت من الأذن للأذن.

" لا شيء يستحق أن تكشر لأجله..."

هززت رأسي، محقة هذه الجميلة، لو تدري، آه لو تدري...!

" ها أنت عدت تعبس ! توقف عن ذلك. حدثني عن نفسك... ذكرني باسمك ؟ "

لا تتذكر اسمي. ولا أعرف اسمها. ونتناول الغذاء معا. ونغازل بعضنا... نوعا ما. لمعت عيناها وكأنها قرأت أفكاري، وضحكت. وضحكت معها للمرة الثانية. وكان قلبي هذه المرة يطير...

" هل أزعجكما ؟ "

التفتت إلى زوجتي. عيناها تقدحان شررا. " ظننتك في العمل. "

انعقد لساني. تأملتها بإحباط. تحتاج لأكثر من الأكل الصحي لتخس.

" ألن تعرفني بال...آنسة ؟ " سألت بسخرية.

 قلبت عيني بينها، وبين الفتاة التي لا أعرف اسمها. وانفجرت ضاحكا.