قبل أيام رحلتْ إحدى رائدات النضال النسائي في لبنان: إميلي فارس إبراهيم
<<<
قرأتُ نعْيَها المتواضع في إحدى الصحف مع وعدٍ من عائلتها بأن يُعلَنَ لاحقاً عن موعد لقبول التعازي والصلاة لراحة نفسها.
<<<
بعضُ الذين قرأوا الخبر اختلطَ عليهم الأمر، وحسبوا أني المُتَوَّفاة.
وقد تعوّدتُ على ذلك الالتباس، والخلط بين الأسماء، إذ لا يتوقّف بعض الناس للبحث عن الحقيقة؛ وتَراهُم يتلقّفون النبأ، أو الاسم ويُفسِّرونه مثلما يطيبُ لهم.
<<<
فقبل بضع سنوات، عندما رحلتْ والدة زوجي، إميلي جريصاتي نصرالله، سارعتْ بعضُ الصحف اللبنانية إلى نشرِ الخبر مع صورتي؛ وأمضيتُ فترة أتلقّى اتصالات التعزية بوفاتي.
<<<
لكن الالتباس الحاصل مع الأديبة إميلي فارس إبراهيم مرّ بعدَّة محطّات؛ فهي من أديباتِ الريادة. ولا يُذكرُ اسمُها إلاّ مسبوقاً بلقب: أديبة.
وقبل بضعةِ أشهر، تلقّيتُ اتصالاً من هيئة رفيعة في الدولة، تبلِّغني بأنه تمّ اختياري للتكريم، إذ شاءوا أن يُكرّموا سيّدة مُسنَّة وعملتْ في خدمة قضايا المرأة.
واعتذرتُ عن قبول التكريم، كما هو حالي دائماً، لاعتقادي بأن تكريم الكاتب يأتي من خلالِ عمله وليس من الخارج.
ثم، وبعد قليل من التفكير أدركتُ بأنّ المَعْنيّة بالنعتِ كما أنها المختارة للتكريم هي السيدة إميلي فارس إبراهيم وقد تخطّت المائة عام. ولم يُكَلِّف المكرِّمون خاطرَهم للبحثِ عن الحقيقة.
<<<
وإميلي فارس إبراهيم أهلٌ لكل تقدير برغم غيابها عن الحضور منذ سنوات. وأذكر بأني دُعيتُ مرّةً إلى المشاركة في تكريمٍ أقامتْه لها دار «الندوة» في بيروت. وباشرتُ كلمتي بالقول: منذ أن أمسكتُ بالقلم وبدأتُ بالكتابة وهذه السيدة تتصدّى لي وتشاكسني؛ فتصلني رسائل باسمها، أو بجزء من الاسم مع خلطِ اسمينا.
وعندما جاء دورُها بالكلام ردّتْ عليّ بقولها: واسمُكِ أيضاً يعاكسني؛ وكم من الناس يسألونني: متى كتبت «طيور أيلول» وهي روايتك الأولى؟
<<<
أما مناسبة فراقِها اليوم، فتعيدني إلى اللقاء الأول بها عام 1954، وذلك خلال مؤتمرٍ للأدباء العرب، أُقيم في بيروت؛ عندما صحبتْني الأديبة الرائدة إدفيك جريديني شيبوب إلى قاعة المؤتمر في الجامعة الأميركية في بيروت. وكانت تلك أولَ خطوةٍ لي إلى عالمٍ كنتُ أحلمُ به. وقد شاهدتُ عن قرب أدباءَ أقرأُ لهم أو أسمعُ بهم أمثال ميخائيل نعيمة، ومحمود تيمور ومارون عبّود وسواهم.
<<<
من تلك المناسبة أذكرُ مشهداً لن أنساه، حين دخلت القاعة سيّدة أنيقة المظهر؛ ونهض معظمُ الحضور للترحيب بها؛ وكانت تصافحهم بكلتا يديها.
لم أكنْ أعرفُها، لكن المشهدَ تركني في ذهول ودهشة و... كيف يتوصّلُ المرءُ إلى تلك الشهرة؟
نعم، وكانت تلك السيدة إميلي فارس إبراهيم، وفي أوج تألِّقها.
<<<
وهي أولُ لبنانية تخوضُ معركةَ الانتخاباتِ النيابية في منطقتِها: البقاع. لكنّها مُنيَتْ بالفشل؛ بل إن بعضَ الرافضين لحضور المرأة في هذا المجال، رشقوها بالحبر. وكانت تلك رسالة سلبية لم تنكسرْ إلا بعد انقضاءِ بضع سنوات.
<<<
وكان الأدب الذي كتَبَتْهُ إميلي فارس إبراهيم من نوع الأدب الإجتماعي أو أدب المناسبات. إنما كان لها حضور مشرقٌ في المحافلِ النسائية. وانتُخبتْ رئيسةً للمجلس النسائي اللبناني لسنوات عدّة. كما أثبتتْ استقلالَ المرأة وجدارتَها من خلال ممارسةِ عملها في الوظيفة، حين كانت معظمُ الوظائف في أيدي الرجال.
ومن أجل ذلك كلَّه استحقّت لقبَ رائدة النضال النسوي الذي نشط منذ مطلع القرن الماضي، ثم راحَ يتقدّمُ مع الأجيالِ التالية.
<<<
ويبقى لهذه السيّدة، ولرفيقاتِها الرائدات في مجالاتٍ أدبية أو اجتماعية، فضلٌ كبيرٌ في شقِّ الطرق وتمهيدها. ولم يكنْ ذلك عملاً سهلاً. ولذا أقول للشابات الناشطات اليوم في شتّى مجالات العلم والعمل:
لولا سيّدات الريادة ما بلغْتُنَّ مراتبَ النجاح