أحداث الصباح الدرامية

الشارع شبه خال. تمر من حين لآخر سيارة تتحرك ببطء، كأنها تخشى أن توقظ السكان. الوقت مبكر جدا. السادسة، أو السادسة والنصف. لا تدري. ولا تهتم كثيرا.

 ترشف قهوتها وعيناها لا تفارقان الطريق.

لن يأتي قبل الثامنة. من السخف انتظاره ساعتين كاملتين في هذا البرد. لكنها لا تقدر على ألا تفعل ذلك.

ستعرف بعد ساعتين قرار المعهد. هل قبلوا ملفها أم لا.

والداها نائمان. وأخوها خرج من الفجر لتدريباته اليومية على الشاطئ. سمعته وهو يتحرك في الأسفل. يخرج شيئا من الثلاجة. قنينة الماء ربما. يدفع كرسيا، ويغلق الباب خلفه بعصبية.

هو دائما هكذا، انفعالي في كل تحركاته. تتخيله يصيح في رفاقه، ويضرب الكرة بعنف مبالغ فيه.

هما معا عصبيان. لا تعرف كيف تدخل وتنتظر نتيجتها بهدوء، ولا يقدر على اللعب باستمتاع ورحابة صدر.

مر صبية بدراجات هوائية سريعة، ورفع بعضهم أيديهم ليحيوها.

أبناء الجيران. يقصدون الشاطئ دون شك. سيتشاجرون مع أخيها ورفاقه، كالعادة. كل منهم يريد أن يحتكر المكان على حساب الآخر.

تنهدت ودست يدها في شعرها. شكلها فظيع. تعرف ذلك. لم يغمض لها جفن الليلة. ظلت تفكر في الرسالة القادمة، وفي الأمور الكثيرة التي سيكون عليها ضبطها فيما إذا قبل أو رفض طلبها. ردة فعلها، وموقفها أمام العائلة، وقرار استمرارها أم لا في علاقتها بموظف البلدية اللطيف الذي تعرفت عليه عبر النت، وبدأت تقابله.

خفق قلبها. لا تعرف إن كانت تحبه. ولكنها غير مستعدة للارتباط بشكل جدي. ما زالت صغيرة.

رشفت بعضا من قهوتها الباردة بامتعاض، ورفعت عينيها إلى صف المنازل المقابلة. كلها متشابهة. بناء من دورين محاط بحديقة صغيرة. لا حركة خلف ستائر النوافذ. كل الجيران نيام. أو هكذا يبدون...

سمعت ما يشبه الصراخ في الفيلا الثانية على اليمين. شجار صباحي حاد. فتح باب الشرفة التي أتى منها الضجيج بعنف، وخرجت امرأة شعثاء وفي إثرها رجل أصلع وبدين. الاثنان أجنبيان. تشابكا بالأيدي، واختلط كلامهما، وحشر الرجل المرأة عند حافة الشرفة. حاولت الإفلات منه، دون جدوى. استمر يضغط بيديه على عنقها، وهي تتلوى، وتلوح بيديها في كل الاتجاهات، حتى هدأت حركتها، ثم سكنت، وانسلت من بين قبضتيه جثة هامدة سقطت أرضا.

دق قلب الفتاة بجنون.

رفع الرجل قبضتيه بانتصار، والتقت عيناه بعيني الفتاة، وتوقفت أنفاس الاثنين.

لا تدري كيف حملتها رجلاها إلى الداخل. أوصدت الباب خلفها وهي ترتجف، وانهمرت دموعها بغزارة.

رأت جريمة قتل. جريمة حقيقية. وبشعة. ماذا تفعل؟ تتصل بالشرطة؟ توقظ والديها؟ تهرب؟

 لن يتركها القاتل تنفذ بجلدها.

اهتز الباب بعنف بغتة، وصرخت وهي تحاول إبقاءه مغلقا. فشلت أصابعها المرتجفة في دفع المزلاج. اهتز ثانية، وصرخت طالبة النجدة.

لم تقو على الصمود أمام قوة الشخص الذي دفعه ودخل وهو يصيح متوعدا.

 

أخوها...

رمت نفسها عليه وبكت بهستيريا، ونزل والداها مذعورين، وأحاط الجميع بها مستفسرين عما يحدث.

اتصلوا بالشرطة. هناك جريمة قتل. الأجنبيان في الفيلا القريبة. «الرجل قتل زوجته. رأيته... رأيته بعيني يخنقها...».

أجهشت من جديد، ورن جرس باب الحديقة.

«لا تفتحوا»

رجتهم وهي ترتجف  «اطلبوا الشرطة». 

رن الجرس بإلحاح، واتجه أخوها نحو المطبخ، وأتى بسكين، وخرج وفي إثره أسرته، تتوسل إليه ليعود. فتح الباب، ورفع السكين مهددا، واختلطت صرخات الفتاة ووالديها بصيحة الأجنبي وزوجته الواقفة جنبه.

القتيلة كانت حية ترزق. تقف بجانب زوجها، والذعر مرسوم على وجهها.

التفت الفتى نحو أخته: « هذه هي القتيلة؟ » وتدخل الأجنبي: أعذرونا. جئنا لنوضح الأمر. الآنسة رأتنا نتدرب في الشرفة على مشهد في المسرحية التي سنقدمها في المركز الفرنسي. خشينا أن تفهم الأمر خطأ. كنا نمثل. وهذه زوجتي. بخير كما ترون...

شعرت بالضآلة. والسخف. والغباء.

استأذن الأجنبيان. تهكم أخوها على حسها الدرامي الزائد، وقلب والداها عينيهما في بعض بيأس.

 لن تكبر أبدا.