نساء مكيات: عالمات ومحدثات وفقيهات ومطوفات
برعت في تاريخنا الإسلامي عالمات ومحدثات وفقيهات، أخذن العلم الشرعي بفروعه المختلفة، فهن نساء لم يغبن عن الواقع، وإن ساهم البعض في تغييبهن، ففي مكة المكرمة تنبئنا كتب التراجم والتاريخ عنهن وعن تأثيرهن، كما لعب المجتمع دورًا واضحًا في إبرازهن، من خلال إعلامه بمجالسهن التي تعقد في كل من مكة والمدينة وجدة والطائف إلى جانب عملهن في التربية والتعليم، في المدارس أو الجامعات، وهنالك نسوة برعن في علوم مختلفة ومتنوعة
سيدتي تسلط الضوء على نساء مكيات كان لهن أثر في تاريخنا الإسلامي على مر العصور والحقب
رموز نسائية يشهد لها التاريخ
الدكتور السيد سمير أحمد برقة باحث في الدراسات الإسلامية يقول: منذ وصول السيدة هاجر إلى مكة المكرمة وبداية قصتها مع زوجها وابنها
عليهما السلام، مرورًا بالأحداث العظام، كزمزمة ماء زمزم، ومن قبل حسن التربية والإيمان المطلق والكامل بقضاء الله وقدره، والمرأة تسجل حضورها في أكثر من موقع وحادثة، فلا يمكن تذكر السعي بين الصفا والمروة إلا وتذكر السيدة هاجر، ولا تذكر قصة زمزم إلا وتستحضر السيدة هاجر، وهكذا بدأت الحياة في مكة وصولا للسيدة آمنة بنت وهب والدة سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، ومن ثم السيدة فاطمة بنت أسد والسيدة حليمة السعدية، حتى يتجلى دور السيدة الجليلة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بتجارتها وعلمها وزواجها ونصرتها للرسالة والدعوة، لا سيما أيام حصار بني هاشم، وحسن تربيتها لأبنائها وبناتها والوفاء الذي تجلى في يوم بدر، ومن ثم لا ننسى دور أم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق وفقهها وعلمها الواسع حتى شمل تاريخ الأمم السابقة، وكذلك بنات النبي الكريم وزوجاته أمهات المؤمنين، وهكذا استمرت الحياة في مكة المسجد الحرام، علمًا ومكانة وتاريخًا لدور النساء الخالدات
وأضاف د.برقة: تعد المحدثة الكبيرة كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية المكية (ت463هـ /1070) أول امرأة درست (صحيح البخاري) في مكة المكرمة، وقد حضر دروسها أكابر علماء الحديث
ومن أشهر من حضر دروسها وأخذ الإجازة منها
- الإمام أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي المعروف بالخطيب البغدادي (ت 463هـ/1070م)، كان يقرأ عليها وهي تسمع
- إمام الحرمين أبو عبد الله الحسين بن علي بن الحسين الطبري (498هـ/1104م) مفتي مكة ومحدثها، أخذ عن كريمة (صحيح البخاري)، وروى عنها
ولقد وصفها ابن الجوزي بـ(العالمة الصالحة)، والحافظ الذهبي بـ(الشيخة) العالمة الفاضلة المسندة، كما وصفها علماء المغاربة بـ(الأستاذة) وبـ(الحرة الزاهدة)، وقد ترجم لها التقي الفاسي ووصفها بـ(العالمة) في ضبط كتابها، كما ذكر ذلك د. عباس طاشكندي، حينما تناول حياة هذه المحدثة بكتابة مؤرخة نشرت ضمن أبحاثه
واستطرد: تنبئنا كتب التراجم والتاريخ المكية عن نساء أخريات بارعات لهن تأثيرهن، ومنهن أسرة الطبرية أمثال: آسيا وأم الحسين وأم سلمة وأم كلثوم، ويقال لها رئيسة، وسعيدة، وأم كمال، وأم الوفاء، وخديجة، وزين، وزينب، وست الكل، وفاطمة، وقريش، والشيخة مباركة، وهي سيدة من جلة العلماء وأم الهدى، أما من أسرة ابن الظهيرة فمنهن: أم الحسين فاطمة، وأم كمال عائشة، وست الأهل، وعلماء وكمالية، والشيخة سعادة، وزينب بنت أحمد، ومن عائلة القسطلاني أم الهدى هدية ابنة ابن الزين القسطلاني، وخديجة القسطلانية، ومن عائلة ابن المرجاني أم الحسين سعادة وكمالية، ومن عائلة الأنصاري أم هانئ، ومن عائلة البسكري صفية، ومن عائلة الحرازي كمالية أم الكمال، ومن عائلة الحسيني الفاسي أم عرفة وأم الهدى، ومن أسرة الدهلوي خديجة والمحدثة المسندة المعمرة أمة الله، ومن عائلة الزبيري فاطمة وتعرف بالشيخة الفضيلية، وزينب فقيهة من فقيهات مكة، ألفت ستين كراسة في مناسك الحج على المذاهب الأربعة، ومن عائلة السعدي السعدية، ومن عائلة الشويكي زينب الشويكية، ومن عائلة الكازروني ستيت بنت عبد الله، ومن عائلة المرشدي أم هانئ، وزينب المرشدية، ومن عائلة المريسي أم أحمد بدور، ومن عائلة المطري أم الخير سعيدة المطرية، ومن عائلة ابن الغضائري المعروف بابن شكر فاطمة وتسمى مؤنسة خاتون، ومن عائلة النويري أم الخير سعدية، وأم كمال وأم الوفاء، وخديجة، وسعيدة، وغصون، وكمالية النويرية، ومن عائلة اليافعي زينب، وعائشة اليافعية، ومن عائلة المنوفي امرأتان تولّتا نظارة رباط العباس الذي كان بين الصفا والمروة، ومن عائلة العجيمي أم الحسين وهي معروفة بين الفقهاء
نماذج نسائية معاصرة
الدكتورة عابدية عباس علوي مالكي، باحثة في الشؤون الاجتماعية تقول: لقد برعت في عصرنا الحالي مجموعة من النسوة المكيات الفاضلات في علوم شتى، وكان لحضورهن ضمن الحراك الاجتماعي دور فاعل وبارز في دفع عجلة التنمية الفكرية والعملية التربوية إلى البروز والحضور، فهناك النساء الحافظات كما ورد في كتاب (إمتاع الفضلاء بتراجم القراء) لإلياس أحمد حسين البرماوي في جزئه الخامس تراجم نادرة لـ 16 قارئة من حفظة كتاب الله الكريم بمكة المكرمة، و15 قارئة من المدينة المنورة، إضافة إلى 20 قارئة من العالم الإسلامي، نذكر منهن
أبرار بنت عبد الله إسحاق عطار، وإلهام بنت محمد سعيد دلال، وبتول بنت أحمد بن حسن كرزون، ورحاب بنت محمد شققي، وسلامة بنت أحمد جابر جبران، وسلوى بنت أحمد الحارثي، وسمية بنت محمد سعيد شمس الدين، وسها بنت محمد نور صادق، وعائشة بنت محمد سعيد شمس الدين، وعزة بنت هاشم علي معيني، وكريمة (كارول إكين) الأميركية بنت هنري بيتر سربنسكي، ولطيفة بنت عبد الملك مندورة، ومريم بنت غالب المخلافي، ومها بنت سلامة سيد علي، ونزيهة بنت علاء الدين المدني، ونوف بنت منصور علي حجازي، أما مدرسات وقارئات السيرة النبوية فلهن مجالس خاصة، فمنهن الحبابة أفراح الهدار، والشريفة نجاة السقاف، والشيخة نور بشناق، والشريفة خيرية مالكي، والشريفة عابدية مالكي، كذلك توجد نساء تميزن بالحضور الثقافي والعلمي أمثال البرفسورة الشريفة ليلى زعزوع، والدكتورة الشريفة فاطمة رضوان، والدكتورة نجاة الصايغ، أما ممن لهن دور في الطوافة والحضور الاجتماعي المؤثر في وقتنا الحالي، فمنهن الأستاذة فاتن حسين والمطوفات اللاتي ذكرن تجربتهن أمثال: المطوفات طليعة بنت محمود آشي، وماجدة بنت جعفر جمل الليل، ونائلة بنت محمد أسعد قاضي، والدكتورة هانم ياركندي، وغيرهن كثير، كما أصبح للنساء المكيات حضور واضح في المشاركات الأدبية من خلال فوز كل من الدكتورة هيفاء فدا، والناقدة أمل القثامي الفائزتين بعضوية مجلس إدارة النادي الأدبي بمكة المكرمة
تجربتي الشخصيةبين الماضي والحاضر
تقول د. عابدية مالكي: كانت للمحدثة المسندة أمة الله بنت عبد الغني الدهلوية التي ولدت عام 1251هـ وتوفيت عام 1357هـ دور مؤثر وكبير في تعليم النساء أمور دينهن، وكان المشايخ يحضرون لمنزلها للاستجازة، ولتسمعهم المسلسلات الوترية للمحدث السيد علي بن ظاهر الوتري، وبعض الأحزاب ثم تكتب الإجازة للحاضرين، وممن أخذ الإجازة منها جدي المحدث العلامة السيد علوي مالكي ـ رحمه الله ـ وكثير من علماء الحرمين الشريفين، وقد كان لعمي المحدث العلامة السيد محمد علوي مالكي الحسني المتوفى في منتصف رمضان 1425هـ دور واضح في تعليم النساء، فقد كان ـ رحمه الله ـ له درس يومي ما بين المغرب والعشاء في الحديث والسيرة والتفسير والأحكام والفقه والأخلاق، وغير ذلك من العلوم، وكانت تتاح لنا فرصة الحضور في مجلس خاص بالنساء في بيته، وكان ـ رحمه الله ـ يبادرنا بالسؤال عن الدرس ويشرح لنا ما أبهم، وقد أجازنا ـ رحمه الله ـ بالكثير من مروياته وأسانيده وأوراده وكتبه، وهكذا تعلمنا العلم منه مشافهة إلى جانب تشجيعه لنا بطلب العلوم الأخرى من المدارس والجامعات السعودية، وكذلك والدي السيد عباس علوي مالكي الحسني، الذي أنشأ (مركز الإمام السيد علوي مالكي الحسني للعلوم الدينية)، بجانب مجلسه الأسبوعي في الصلاة على النبي، صلى الله عليه وسلم، الذي يحضره العلماء وطلاب العلم، وكنا نستفيد من هذه العلوم والمعارف الشيء الكثير في التربية والسلوك ودعوة الناس إلى الفضيلة