تؤكّد دراسة علميّة أشرف عليها فريق من الباحثين البريطانيين نشرت مؤخراً في جريدة "هيومن ريبرودكشن" Human Reproduction أن الانخفاض التدريجي في مستويات الخصوبة عند المرأة يبدأ في سن مبكرة جداً هي أواخر العشرينيات من العمر وليس أواخر الثلاثينيات، كما هو شائع بين الناس. وقد تابع فريق البحث الذي قاده الدكتور ديفيد دنسون الحياة الجنسية لعيّنات من الأزواج من كل من إنكلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا بلغ عددهم 782 زوجاً تراوحت أعمارهم ما بين 18 و40 عاماً، فتوصّلوا في نتيجة البحث إلى أن العلاقة الزوجية الحميمة التي مارسها هؤلاء الأزواج قبل يومين من فترة إباضة المرأة (أكثر الأوقات خصوبة لدى المرأة) قد نتج عنها حالات حمل وصلت نسبتها إلى 50% بين الزوجات بعمر 19 إلى 26 عاماً وانخفضت إلى 40% بين الزوجات بعمر 27 إلى 34 عاماً، فيما وصلت النسبة إلى 30% بين النساء بعمر 35 إلى 39 عاماً أي أن احتمالات حدوث الحمل قد بدأت بالتراجع بشكل متوازٍ مع تجاوز المرأة لسن السابعة والعشرين.
أثارت نتائج هذه الدراسة، لدى الإعلان عنها، المخاوف والقلق لدى كثير من النساء ممّن قرّرن تأجيل الإنجاب بسبب انشغالاتهن الاجتماعية أو المهنية ورغبتهن في بناء المستقبل قبل الإقدام على تجربة الأمومة. ولكن الاختصاصي بعلم الأجنّة البروفسور بول سيرهال الذي يعمل في "يونيفرستي كولج هوسبتال"، بلندن University College Hospital in London قد نشر مقالاً علمياً ناقش فيه هذه الدراسة، وطمأن النساء قائلاً: "إن معظم النساء اللائي في أواخر العشرينيات والثلاينيات من العمر قادرات على الإنجاب، ولكن ربما تأخذ منهن المحاولات بضعة أشهر، فيما قد لا تحتاج من هن أصغر منهن لهذا الوقت"، مضيفاً "أنّه من الهام ألا تشعر المرأة بالقلق لأن الإحصائيات الوطنية في بريطانيا تؤكّد أن غالبيّة الأطفال الذين ولدوا في السنوات الأخيرة كانوا لأمهات بأعمار تتراوح ما بين 30 إلى 34 عاماً. ولكن بالمقابل، فإن عدد الأطفال الذين ولدتهم أمهات بأعمار 35 إلى 40 عاماً يتناقص بشكل دراماتيكي في هذه الإحصائية". ويذكر البروفسور سيرهال: "عموماً، إن معدّل النساء اللائي ينجبن طفلهن الأوّل في بريطانيا هو 27 عاماً، فيما كان 23 عاماً في الستينيات من القرن الماضي، ما يعني أنّه على المرأة أن تراقب ساعتها البيولوجية، وأن تسلّم بحقيقة مفادها أن الخصوبة تنخفض تدريجياً مع الزمن، وأن بويضات المرأة الكبيرة في السن لا يمكن أن تخصب بسهولة لأنها سريعة الانحلال والذوبان في الجسم. ويجدر بالمرأة ألا تؤخّر الحمل إلى سن متأخرة، ولكن عليها أيضاً ألا تقلق كثيراً إذا ما دخلت في الثلاثينيات من العمر لأن سن انقطاع الدورة الشهرية هو العمر الذي يحدّد نهاية الأمل في الحمل وليس غيره".
وفي تعقيبه على الدراسة، يقول: "أعتقد أن قدرة المرأة على الحمل لهو أمر لا يتعلّق بالعمر فقط، وأن ثمة اختلافات كبيرة جداً بين النساء من ناحية الخصوبة والقدرة على الإنجاب. وربما تكون المرأة الشابة قليلة الخصوبة وتصل فرص الحمل عندها إلى 20%، بينما تصل الفرصة عند من هي أكبر منها سناً إلى 60% إذا ما كانت أكثر خصوبةً منها، كما أن الدراسة تركّز في البحث على دورة شهرية واحدة لعيّنة الأزواج الذين شاركوا في التجارب، وهذا الأمر لا يكفي للحكم بشكل قاطع على خصوبة المرأة، كما أن النساء الكبيرات بالسن عادةً ما يمارسن العلاقة الزوجية بنسبة أقل من الشابات الصغيرات مما يقلّل فرص الحمل، كما أن أزواجهن كبار في السن أيضاً، وعادة ما تقلّ خصوبة الرجل كلّما تقدّم في السن وإن كانت بنسبة أقل دراماتيكية من المرأة".
ويقدّم البروفسور نصيحته الذهبية للمرأة التي ترغب بالإنجاب: "إن أفضل طريقة للتغلّب على عوائق الساعة البيولوجية للجسم هي في الاستمرار في ممارسة العلاقة الزوجية الحميمة على قدر الإمكان مع عدم الالتفات لمن يقول إن ممارسة هذه العلاقة بشكل يومي يمكن أن تضعف الحيامن وتؤثّر على السائل المنوي للرجل لأنها مجرّد أقاويل لا أساس لها من الصحة، بل على العكس فإن كل الدلائل العلمية تشير إلى أن مستويات الخصوبة ترتفع مع الممارسة الزوجية الحميمة المستمرة، فيما تنخفض فرصة حدوث الحمل إلى 3% فقط عند ممارستها مرّة واحدة في الشهر على سبيل المثال".
مزايا ومساوئ
_ الإنجاب في العشرينيات من العمر: طبياً، يمكن القول إنها المرحلة العمرية المثالية للحمل، حيث تكون الدورة الشهرية لمعظم النساء منتظمة، وإن حوالي 80% من البويضات صحيّة ويمكن أن تخصب وتتحوّل إلى جنين. ونادراً ما يعاني الأطفال الذين تنجبهم أمهات في العشرين من "متلازمة داون"Down’s Syndrome أو من المشكلات الصحية التي قد تتعرّض إليها بقيّة الأطفال. وفي بداية هذا العمر، يكون الرجل والمرأة في قمة الخصوبة، ولكن بعد الرابعة والعشرين تبدأ قدرة الرجل على الإخصاب بالتناقص بشكل ضئيل جداً وبنسبة تصل إلى 3% في السنة، كما جاء في بحث علمي أجرته "جامعة برستل البريطانية". أمّا النساء، فإن خصوبتهن تبدأ بالانحدار البطيء بعد سن السابعة والعشرين. وللحفاظ على مستوى عالٍ من الخصوبة لأطول فترة ممكنة، يجدر بالمرأة والرجل تجنّب الأدوية المنشّطة التي يمكن أن تتفاعل مع الهرمونات الأنثوية ومع الحيامن أيضاً، مع الالتزام بالعلاقات السليمة التي تقي من الالتهابات المعدية التي قد تؤثر على الخصوبة.
_ الإنجاب في الثلاثينيات من العمر: في هذه المرحلة من العمر، ربما تحتاج المرأة إلى وقت أطول كي تنجب خصوصاً عندما تصل إلى أواخر الثلاثينيات، كما أن هنالك زيادة في احتمال إصابة الطفل بـ "متلازمة داون"، علماً أنّها تزيد خصوصاً بعد عمر 35 عاماً من واحد في كل 800 طفل إلى واحد في كل 380 طفلاً، وترتفع هذه النسبة عندما تكون الأم في عمر 38 عاماً لتصل إلى واحد في كل 190 طفلاً. وعموماً، إن السنوات العشر التي تعقب العشرينيات من العمر يمكن أن تؤثّر سلباً على إنتاج الحيامن عند الرجال والبويضات عند النساء ما قد يؤدي إلى مشكلات في الحمل والولادة! وقد جاء في دراسة أجرتها "جامعة برونيل البريطانية" أن فرصة رجل في الخامسة والثلاثين من العمر في إنجاب طفل خلال سنة تتضاءل إلى النصف قياساً بفرصة رجل في الخامسة والعشرين من العمر، وأن الرجل في عمر ما بعد الخامسة والثلاثين أكثر عرضةً لإنجاب أطفال يشكون من تشوّهات خلقية مقارنة بالرجل في أوائل العشرين لأن جهاز المناعة عنده أقل قدرة على التخلّص من الحيامن التالفة وتفادي تمريرها إلى الجنين. أمّا المرأة التي تحمل وهي في الثلاثين من العمر، فإنها أكثر عرضةً للإصابة بأمراض ضغط الدم العالي والولادة القيصرية.
_ الإنجاب في الأربعينيات من العمر: في هذا العمر، تبدأ مشكلات الخصوبة بالظهور بشكل حاد عند المرأة، ويصبح الحمل أمراً صعباً أو بعيد المنال في غالبية الأحيان، كما أن خصوبة الرجال تتناقص أيضاً، ولكن بنسبة أقل بكثير مما يحدث عند المرأة. وقد جاء في إحدى الدراسات التي أجرتها "جامعة برستول" البريطانية أن الزوجين في عمر الخامسة والثلاثين قد يملكان فرصة إنجاب تصل إلى 29%، وأن هذه النسبة تقلّ إلى 18% في حال كون الرجل في الأربعين من العمر. وفي هذا العمر، تزداد أيضاً تعقيدات ومشكلات الحمل والولادة، ويمكن أن تصاب المرأة الحامل وهي في بدايات الأربعين بنوع خطر من ضغط الدم
Pre - eclampsia بنسبة أكبر مقارنة بالحامل الشابة، كما تزداد أيضاً فرصة إنجاب طفل يعاني من "متلازمة داون". وفي نهاية الأربعينيات من العمر، تزداد هذه الفرصة إلى واحد في كل 32 طفلاً، كما يشيع الإجهاض في هذا العمر أيضاً وتصل نسبته إلى 84% في عمر الثامنة والأربعين فما فوق، فيما لا تتعدّى النسبة 22% فقط عندما تكون المرأة في بداية العشرينات من العمر، وتزداد أيضاً فرصة نمو الجنين خارج الرحم لتصل إلى 6.9 % بين النساء بعمر 44 فما فوق. وتواجه كثير من النساء في هذا العمر صعوبات في الولادة بسبب فقدان المرونة، وتزداد إمكانية اللجوء إلى الولادة القيصرية.
كيف تزيدين من فرص الحمل؟
1 نصائح لك
- تجنّبي المهدّئات والمسكّنات Pain Killer في اليومين اللذين يسبقان بدء الدورة الشهرية لأنها تؤثر على فرص الحمل، وامتنعي عن التدخين تماماً لأن مادة "النيكوتين" تؤثر على نوعية البويضات التي ينتجها الجسم.
- حاولي أن تمارسي العلاقة الزوجية الحميمة على قدر ما تستطيعين، وبأوقات متقاربة ومستمرة.
- ابتعدي عن الضغوط النفسية لأنها تزيد من إفراز الهرمون الذي يوقف الإباضة، واسترخي على قدر المستطاع.
- إذا كنت في الخامسة والثلاثين من العمر وما فوق وتحاولين الإنجاب دون فائدة رغم مرور سنة أو أكثر على هذه المحاولات أو إذا كنت تعانين من عدم الانتظام في الدورة الشهرية، لا تتردّدي في استشارة الطبيب.
- تناولي الأطعمة الغنيّة بالمواد المغذّية، واحرصي على احتواء وجباتك اليومية على أنواع خمسة من الفاكهة والخضر على الأقل، جنباً إلى جنب مع الخبز الأسمر واللحم والسمك قليل الدهون.
- حافظي على وزن معقول وطبيعي لأن الوزن الزائد أو الأقل من الطبيعي يمكن أن يؤثّر على مستويات "الأستروجين" والإباضة والإخصاب، ومارسي بعض التمرينات الرياضية بانتظام لأن الجسم الرشيق يزيد من فرص حمل المرأة.
- حافظي على وزن معقول وطبيعي لأن الوزن الزائد أو الأقل من الطبيعي يمكن أن يؤثّر على مستويات "الأستروجين" والإباضة والإخصاب، ومارسي بعض التمرينات الرياضية بانتظام لأن الجسم الرشيق يزيد من فرص حمل المرأة.
- توقفي عن تناول القهوة إذا كنت تخطّطين لإنجاب طفل لأن "الكافيين" يقلّل من فرص الإنجاب ويزيد من فرص الإجهاض أيضاً.
- إن متمّمات الغذاء من المعادن والفيتامينات يمكن أن تكون مفيدة في الإخصاب، لذا جرّبي الزنك وحمض الفوليك لتأثيرهما الإيجابي في حدوث الحمل، ولكن استشيري الطبيب أو الصيدلي أولاً لتحديد الكمية التي يحتاجها جسمك.
2 نصائح لزوجك
- إن المساء هو أنسب الأوقات لممارسة العلاقة الزوجية الحميمة بهدف الإنجاب لأن الحيامن تكون أكثر فعالية في هذا الوقت.
- يجب تناول الأسماك الغنية بالزيوت لأنها تحتوي على مادة "أوميغا 3" والأحماض الدهنية المفيدة في إنتاج الحيامن والسائل المنوي، وكذلك المحار الغني بمادة الزنك.
- يساعد شرب القهوة في زيادة سرعة ونشاط الحيامن بفضل احتوائها على مادة "الكافيين" الفعّالة، في هذا المجال.
- يجب أخذ فترات استراحة منتظمة أثناء قيادة السيارة لفترات طويلة أو أثناء الجلوس على المكتب في فترة العمل.
- الإكثار من أكل البرتقال والليمون الهندي (الغريب فروت) الغنيين بفيتامين "سي" C والذي يقوم بدوره بزيادة عدد الحيامن في السائل المنوي.
- يلعب العامل النفسي دوراً كبيراً في الإنجاب، ويمكن اعتبار الرغبة بالأبوة عاملاً إيجابياً يساعد في زيادة الإخصاب.