ليس هناك قانون صريح لتعاملاتنا في المواقف المختلفة مع الآخرين، فأحياناً تضطرنا الظروف لارتداء الأقنعة لإخفاء بعض من عفويتنا والتعامل بأسلوب خاص عكس طبيعتنا.. مواقف عاشتها "سيدتي" مع أصحابها.
تقول غدير أحمد، موظفة تسويق في إحدى الشركات الخاصة، «بعد تخرجي في الجامعة وبحثي عن وظيفة كنت أعتمد أسلوب العفوية عند إجراء المقابلات الشخصية، والحقيقة لم أوفق كثيراً حتى نصحتني صديقتي بأنّ أسلوبي يترك انطباعاً سيئاً بعد المقابلات، وأنهم يفضلون الشخصية العاقلة الرزينة التي توحي بالمسؤولية والثقة، وبالفعل عندما نفذت نصيحتها توظفت»، وتضيف: «بعد أن توظفت ومن خلال تعاملاتي مع الآخرين أدركت أنني لا أستطيع أن أسيطر على تفسير الآخر لطريقتي، خاصةً إذا كان التعامل مع رجل، فبعض الرجال يفسر طريقة التعامل بعفوية بشكل خاطئ، وتعرضت لعدة مضايقات بسبب ذلك، ولكن الأيام علمتني أنّ التصنع ضرورة».
تصنّع اللقاء الأول
ويعود (عبدالقادر الزين) بذاكرته عشر سنوات للوراء متذكراً زيارته الأولى لرؤية زوجته في بيت أهلها، وكيف كانت متصنعة لدرجة التكلف، وأنه خرج بانطباع أنها مغرورة، مقرراً عدم العودة من جديد، ويقول: «الحمد لله أنّ أختي الكبرى كانت على معرفة بزوجتي مما جعلها تؤكد لي أنّ هذا الانطباع ليس بصحيح، وأخذت تقنعني أن أعطي نفسي فرصةً ثانيةً وأراها من جديد، ولولا إصرارها على ذلك لما تم الزواج، والآن مضى على زواجنا عشر سنوات، ونحن متفقان جداً، وشخصية زوجتي لطيفة ومتواضعة مع الجميع».
أرفضه تماماً
بينما تعارض الفنانة التشكيلية ومصممة المجوهرات (رنا الهندي) فكرة التصنع، وتقول: «للأسف الوضع أصبح كله تصنعاً في هذه الأيام، وبشكل مزعج. أنا شخصياً بطبعي لا أتقن ولا أعرف التصنع، وإذا ما تعرضت لموقف خارج إطار الأهل والأصحاب فعندي حل من اثنين: فإما أن أكون على طبيعتي وأقلب الأمر إلى مزح، أو أتحاشى الاحتكاك بمن حولي وكأني غير موجودة».
البروتوكول المزعج
ومن وجهة نظر المهندس (أحمد مجدي) فإنّ إرضاء الناس غاية لا تدرك، فيقول «أكثر ما يزعجني هو التصنع المطلوب أثناء لقاءات العمل، أو بروتوكول الملابس الرسمية، ولدي قناعة بأنّ الحكم على مهاراتي في عملي تعتمد على النظر إلى فكري وخبرتي، وليس على شكلي الخارجي، ومن يعتمدون على تلك المواصفات للحكم يفتقدون للحرفية وفهم طبيعة ومتطلبات الشخص المناسب للعمل».
التصنع فن ومهارة
أما سيدة الأعمال والناشطة الاجتماعية (أسماء أبوغالب) فعبرت عن رأيها قائلةً: «التصنع فن من فنون البروتوكولات العالمية التي تستخدم في التعامل مع أهم المواقف وأصعبها، ومن يجد هذا الأمر يخرج من مآزق عدة ويترك انطباعات جيدة في أغلب الأحيان، وإذا تحدثت عن نفسي في هذا الجانب، فرغم أني مختصة في العلاقات العامة والبروتوكول ولكني لا أجيد فن التصنع أبداً، لأنّ وجهي يُظهر ما في داخلي، تعرضت يوماً لطلب اجتماع عاجل ومن شخصية هامة ولها دور قيادي، وكان لي تحفظ على هذا الأمر منذ البداية، ولكني أُجبرت على تلبية الدعوة، وفي الاجتماع عرض علي القيام بحملة إعلامية ضخمة واستشارة تتزامن مع إطلاق الحملة، وكان المبلغ المالي المعروض كبيراً ومغرياً جداً، ولكن كان الاعتراض بداخلي على الشخصية يظهر جلياً على ملامح وجهي، ورغم محاولة مساعدي في الشركة احتواء الموقف إلا أنهم لم يستطيعوا تبديل معالم التجهم على وجهي، وانتهى الأمر بخسارتي لنجاح كاد ينقلني نقلةً نوعيةً في مجال عملي.
التصنع أسلوب حياة
بينما يرى الفنان التشكيلي (عثمان الخزيم) أنّ العفوية هي صفة لدى الأطفال فقط، ويقول: «في الحياة الفعلية التصنع هو أسلوب حياة، ونحن نحتاج لأن نكون متصنعين أو قادرين على إتقان مهارة التعامل مع الآخرين، وهذه مهارة لا يتقنها الجميع، وحتى تعاملنا مع الأشخاص المقربين منا أحياناً يحتاج للتصنع في ظروف معينة". ويضيف « حياتنا عبارة عن مزيج دائم من التصنع المستمر لصناعة نجاحنا، وعلاقاتنا مع الآخرين».
الرأي المتخصص: «نحتاج لارتداء الأقنعة لنظهر أجمل»
بداية يوضح المستشار الاجتماعي والأسري الدكتور (عبدالإله الجدع) بأنّ القرآن الكريم قد أرشدنا، قبل أي قواعد أو نظريات للبروتوكول، إلى الاتصاف بحسن الخلق والمعاملة، والإحسان مع الآخرين، وقال: «لقد ضرب العلي القدير مثلاً رائعاً في أهمية اتخاذ أحسن الأساليب، حتى مع من بيننا وبينه عداوة وعداء قال العلي القدير(ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم)، كما أثنى على الكاظمين الغيظ، أي يخفي ما في نفسه ابتغاء مصلحة، كل ذلك يعدّ من قواعد السلوك والاتصال مع الناس، فالإنسان اجتماعي بطبعه وإذا تمتع بالصحة النفسية السليمة فإنه يحب أن يُظهر أحسن ما عنده في الكلام والسلوك والملبس، وذلك ليس خداعاً ولا كذباً لكنّها مجاملة تتطلبها أصول البروتوكول»، ويضيف «إننا مطالبون بتحسين صورتنا الشخصية وتلميعها أمام الآخرين لتكون جواز مرورنا إلى قلوبهم بلا استئذان».
هناك أشخاص يفضلون هذا السلوك يمكنكم التعرف إليهم في التحقيق الموسع المنشور في عدد "سيدتي" 1820.