تشهد الأسرة في المجتمع السعودي (اليوم) التحولات الاجتماعية والتقلبات الثقافية والتحديات الاقتصادية، الكثير من المشكلات والظواهر السلبية، التي تهدد نسيجها بالأسقام النفسية والأمراض المجتمعية، مثل التفكك المنزلي والعنف الأسري، وارتفاع حالات الطلاق والمنازعات الأسرية، والتي باتت تحتاج إلى وجود عيادات متخصصة في المجال النفسي والاجتماعي، كما يحدث في المجتمعات المتحضرة والشعوب المتفتحة، التي ترفض ثقافة العيب الاجتماعي، وتتعامل مع هذه العيادات المهنية بكل وعي وقبول وتفاعل.
مراكز نفسية وأسرية واجتماعية يراها الكثير مضيعة للوقت، وتجفيفاً للجيوب، والضحك على الذقون، خاصة مع التركيبة الثقافية المعقدة التي تقوم على مبدأ السرية والتحفظ، وتخزين مشاكلها الأسرية في صندوق العيب الأسري.
«سيدتي» التقت الدكتور سامي بن هادي الأنصاري، المتخصص بالقضايا النفسية والأسرية؛ لتكشف من خلاله خفايا عالم المراكز النفسية التي قد يراها البعض بأنه المستحيل الذي قد لا يلجأ إليه، ولكن الحقيقة تختلف عن ما سيقوله لنا.
"الأمان" في البحث عن رجل ناضج
من خلال عملي وجدت ازدياداً في إقبال الفتيات على الزواج من أشخاص يكبرونهن في العمر بكثير، فبدأت بالبحث ومعرفة الأسباب، لأجد أمراً مهماً، وهو أن الفتاة ترغب بالأمان والأب الحنون الذي تفتقده والذي لن تجده في الشاب وإنما في الناضج الكبير، الأمر الآخر حياة (الفلّة)، فلا تريد شاباً يحاسبها على كل تحركاتها، وتريد كبيراً يعطيها الحرية ولا يحاسبها.
سلوكيات الوالدين تلقي بالأبناء إلى الهاوية
وعن الوالدين، والأثر النفسي الذي يخلفه النزاع الأسري على الأبناء قال الأنصاري: «ذات مرة جاءتني فتاة وقالت: أبي مشغول بعلاقاته مع النساء، وأمي مشغولةٌ بعلاقاتها مع الرجال، وأنا ضائعةٌ بينهما، حديثها أصابني بصدمة، وشعرت بأن الموضوع يحتاج إلى تغيير وتوضيح مفاهيم، فقمت بالاتصال بوالدها، وقلت له: ابنتك قبضنا عليها في استراحة مع شباب، فأخذ الأب يصرخ في الهاتف، فطلبت منه الحضور لأخذ ابنته، وجاء إلى المركز، فاطمأنّ على ابنته، وأوضحت له أن الموضوع يتعلق بسلوكياته، وأن ابنته على علم بكل ما يفعله، فخجل الأب وأرخى رأسه، لأطلب منه بعد ذلك تغيير سلوكياته، وكذلك الأم كررت الموقف معها، وطلبت منها نفس الطلب، أما الفتاة فقمت بعلاجها ومساعدتها من خلال جلسات نفسية.
وبعد فترة من الزمن زارني الأب فلاحظت الاختلاف، فلم يكن هو نفسه من جاءني سابقاً، وطمأنني بأن الأمور في أسرتهم تغيرت للأفضل».
هل الأطباء النفسيون «بياعين كلام»؟!
الأنصاري اعترف «لسيدتي» بأن الاستشاريين النفسيين والأسريين «بائعو كلام»، وقال: الدنيا كلها قائمة على الكلام، فالدخول في الدين بـ«كلمة»، والخروج من الدين بـ«كلمة»، والحب يبدأ بـ«كلمة»، والزواج يبدأ بـ«كلمة»، الطلاق يحدث بـ«كلمة»، تكسّر مجاديف شخص بـ«كلمة»، تُقرب شخصاً إلى قلبك بـ«كلمة»، تجر فتاة إلى الرذيلة بـ«كلمة».
«الكلمات» هي أغلى شي في الوجود، أغلى ما نملك، أغلى من الذهب والمجوهرات والألماس؛ لذلك من يقول بأننا «بيّاعين كلام» فهذا صحيح، فنحن نبيع أغلى وأهم شيء في الدنيا.
لا أؤمن بحياة الشراكة بين الزوجين
ذات مرة جاءتني زوجة تعاني غياب زوجها، وعدم اهتمامه، رغم أنها كرست حياتها لأجله، وانصاعت لأوامره ولم تكمل دراستها، وعندما جاءتني طالبةً المشورة قلت لها: يا ابنتي، حياتك ملكك، فأسعدي نفسك بنفسك، لا تربطي سعادتك لا بزوج أو أبناء ولا بوظيفة ولا مال، فهذه أسباب، إن رحلت، رحلت عنك السعادة، لذلك سعادتك ملكك، ودائماً ما أصرح بشكل عام أني لا أؤمن بحياة الشراكة بين الزوجين.
بيوت المستشارين الأسريين مفككة
وعن حديثه أن أغلب الاستشاريين الأسريين بيوتهم مفككة قال: صحيحٌ ذلك، فمن خلال علاقتي بالعديد من المستشارين الأسريين لاحظت وجود هذه الفجوة في حياة أغلبهم وليس جميعهم، والسبب أنهم يملكون العلم والمعرفة والحكمة، ولكنهم هم أيضاً بشر وليسوا ملائكة، لذلك فبغض النظر عن تفكك أسرهم أو غير ذلك، خذوا الحكمة منهم وحسن التوجيه، واتركوا الباقي الذي بهم.