هذا الكم من الكمنجات الوديعة التي تتدفق من عينيك، إن كنت تعلمين، مثل كونشيرتو كمان لباخ، يوهان سباستيان الأب، الذي يملك القدرة على أن يكون ساكنًا، وديعًا كصوت اليمام، ومحتدمًا متأججًا دون صوت. آه، إن هذا النوع من الانفعال المنظم المكتوم هو الأكثر قتلاً كعينيك أكثر من كل طنطنات بيتهوفن الموسيقية إن كنت تعلمين.
أحبك إن كنت لا تعلمين، مثل انتصاف النهار على رحلة في ربيع الربا، أحبك مثل انبثاق الورود صباحًا، وفي الفجر ما كنّ في العالمين.
أحبك مثل اندلاع الصبية من طفلة لجنون جميل مبين. أحبك مثل نزول الندى على شفة حرّقتها السنون.
أنا ساكت الآن، أنظر في عينيك، وكل هذا الكلام يقال.
سجلت بعض ما قالته عيناي والآن جاء دور عينيك:
- أيها الوديع الساكن. تحرك قليلاً أيها الوديع الساكن. اعترف. هل أنت؟
- نعم أنا.
- منذ متى؟
- منذ أن عاجلتني عيناك هاتان بأول كونشيرتو للكمان القاتل بكل ما أوتي من قوة ومن براءة، ومن هدوء ناعم هو أعنف من كل بطش موسيقي، إن سيمفونية القدر بجانب عينيك طفولة ثورية وسذاجة موسيقية. حتى إن هزتني قديمًا. إن عينيك تحترفان الهندسة الكلاسيكية في الموسيقى بشكل قاتل، ذكرتني بباخ، يوهان سباستيان باخ، الذي كان يحبه أبي.
- ما كل هذا الكلام العجيب؟ هل فقدت...؟
- نعم فقدت عقلي.. ونفسي.. وتاريخ أسرتي.. ومستقبلي.
- أإلى هذا الحد أنت؟
- نعم، وأكثر.. أديري عينيك بعيدًا.. أيها الكونشيرتو الناعم العاصف، من وضع محترف للقتل قدير.. أعطني راحة القلب من هذا الأسر اللذيذ المرهق ولو دقيقة.. دقيقتين من فضلك.. ألتقط أنفاسي..
- هل أنت شاعر؟
- لا، ولكن ربما.. لست أدري.. ربما كنت أي شيء.. لا شيء.. تحت عينيك أفقد اتزاني، كأن رخ السندباد حملني ورفرف بي مبتعدًا، عبر أقطار سماوات مجهولة هل هن سبع سموات؟ إحساسي أنهن أكثر. أشعر وكأنك خطفتني من وطني منذ كنت لا أعي -هل أنت غجرية سحارة. هل تسحرين بعينيك؟- وسافرت بي عبر بلاد الأرض كلها، ثم عرجت بي في سماوات بلا عدد.. خففي قبضتك النورانية عن قلبي. إنني أختنق بكل هذا الرحيق.
- أنت مجنون.
- أنت الجنون نفسه، خلاصة عطر الجنون.. نشقة واحدة تزلزل الماشي فيذهل عن قدميه ويطير عنه عقله، فيقع لديك أسيرًا وقد غاب عنه الزمان، وانقطع عنه الأهل والوطن، وعاش فاقد النطق والعقل والهوية في معيتك المخدرة..
- يا مسكين!
- لست نادمًا على شيء. ولا أقايضك بأي شيء..
بينما أنا أكلمها -عيناي في عينيها وشفتانا صامتتان- انتبهت إلى أني جالس في بيتي بثوبي المنزلي، وأنها جالسة في بيتها في ثوبها المنزلي. بيننا كلبة بيضاء عجوز، نائمة معظم الوقت.. نحن أقرباء إذن.
- بل نحن زوجان. وهذه عادتك الليلية: تنظر في عينيّ طويلاً ثم تنسى.. تتلاشى الجدران. فتظنني كائنًا من كائنات حواديتك.