شهدتْ المحاكم البريطانية هذا الشهر الحكم بأول قضية «عبودية منزلية» تواجه القضاء البريطاني طوال تاريخه الحديث، وتتعلق بجريمة رجلٍ «استعبد» زوجته وسجنها في البيت وعزلها عن العالم وعاملها كخادمة له ولأهله وعذبّها بالضرب والإهانات والإذلال والتخويف.
العرس المرتب والآمال الضائعة
الجاني هو البريطاني - الباكستاني «سافراز أحمد» 34 عاماً، يعيش في لندن ويعمل ميكانيكياً، سافر إلى مقاطعة بنجاب عام 2006 بعد أن رتبتْ له عائلته زواجاً تقليدياً، وكانت العروس «سومارة إيرام» شابة صغيرة في الثامنة عشرة من عمرها في ذلك الوقت، من عائلةٍ متعلمة ومتوسطة الحال، بعد الزفاف عاد «سافراز» إلى لندن وبقيت الزوجة مع أهلها هناك حتى عام 2012، ثم طلب منه والد الزوجة إلحاقها به خاصة وأنها قد أكلمتْ دراسة الماجستير في العلوم الإسلامية، وبالفعل سافرتْ إلى لندن وهي تحلم بحياة زوجية سعيدة، ولكن عندما وطأت قدماها بيت الزوجية الذي تشاركهما فيه أم الزوج، تعاملوا معها كخادمة للعائلة، تقوم بالأعمال المنزلية من الساعة الخامسة صباحاً وحتى منتصف الليل، وتخدم الضيوف أيضاً، وخاصة أخته التي كان عليها أن تحمل لها حقائبها وتحمم أولادها وتبّدل حافظاتهم، ورغم كل هذا كانت تتعرض للضرب المبرح والإهانة والإذلال وكانت مجبرة على الاستحمام في زاوية من الحديقة، وكان عليها أن تتلقف بجسمها علب الطعام التي كان يرميها عليها الزوج، وعندما كانت تتوسل إليه أن يكف عن هذا كان يقول لها بأنها مقرفة وأنه قد تزوجها من أجل إسعاد عائلته فقط.
الشكوك تراود الجيران
وكي يبقيها معزولة عن العالم، كان يغلق عليها باب البيت ويخوفها من الخروج إلا معه مدعياً وجود رجالٍ بيضٍ وسودٍ يمكن أن يخطفوها ويغتصبوها ويقتلوها، واستمر هذا الوضع مدة سنتين قبل أن تلاحظ إحدى الجارات يوماً خروج الزوجه هاربة من البيت بعد هجوم وحشي بالضرب أدى إلى كسر أنفها، ووصفت للقاضي منظر الشابة المدماة وهي تُجر من شعرها وتُسحب إلى البيت، ويومها أخبرت الجارة الشرطة ووضعوا الزوج في الحجز ولكن الزوجة اضطرت إلى توقيع «محضر تنازل» خوفاً من عقاب العائلة، وقالت الزوجة للقاضي: «عندما ضربني على عيني وأنفي كنت أظن بأني سأموت وكانت أم زوجي واقفة تشاهد ما يحدث دون أن تفعل شيئاً»، وبعد ستة شهور على هذا الحادث تناولت الزوجة كمية من حبوبٍ مسكنة للآلام في محاولةٍ للانتحار، وكي لا يفضح الأمر أخذوها إلى بيت شقيق الزوج، وهناك واتتها الشجاعة كي تتصل بالشرطة التي تدخلت بسرعة وأنقذتها من يد الزوج وعائلته.
الحكم في أول قضية عبودية في إنجلترا
وفي محكمة Woolwich Crown court في لندن جرى الاستماع إلى أقوال الزوج والشهود والزوجة التي كانت تعاني من حالة «اضطرابات ما بعد الصدمة»، وحكم القاضي على الزوج بسنتين سجن لارتكابه جريمة «العبودية المنزلية» ليكون أول بريطاني يُسجن لهذا السبب، كما حكم عليه بثمانية شهور أخرى لكسره أنف الزوجة، وحاول الزوج تبرير أفعاله وربطها بثقافة بلده وعاداتهم وتقاليدهم، لكن القاضي رفض أي تبرير بهذا الشأن.
وتحدث المهتمون بهذا الشأن عن حالاتٍ أخرى ربما تكون موجودة في المجتمع البريطاني ولكنها لا ترى النور؛ بسبب صمت الضحايا وخوفهم من الانتقام، وشجعوا النساء على اللجوء إلى العدالة وعدم السكوت. علماً بأن المحكمة قد رفضتْ نشر أية صورة أو رسم تخطيطي للزوجة لدواع أمنية وخوفاً عليها من الانتقام.