تتزايد شكاوى الآباء من سلوكيات أبنائهم يوماً بعد يوم، ويصفونهم بالأنانية والتسلط، يريدون التحكم في جميع القرارات التي تهم الأسرة ومستقبلها أحياناً، فهل فعلاً فقد الآباء السيطرة على جيل التكنولوجيا الجديد؟ وهل انتهت سلطة الآباء عليهم؟
تعنت وفرض رأي
يقول الحسن العايدي: «قررت استبدال سيارتي القديمة بأخرى ثمنها في متناول يدي، لكن ابني لم يتردد في فرض سلطته لإرغامي بأن تكون السيارة على ذوقه هو ومن اختياره، الشيء الذي يتعارض مع إمكانياتي المادية، ومع ذلك بقيت متمسكاً برأيي لفترة لم تخل من الصراع الخفي بيننا، ثم استسلمت لدرجة أنني اقترضت لأستجيب لرغبته وشراء سيارة تتناسب مع قيمة الأسرة في عيون أصدقائه، فضلاً عن إصراره لمتابعة الدراسة في الثانوية الخاصة مقابل مبلغ مالي يرهقني شهرياً».
أما سعيدة البقالي، طالبة، فتقول: «شكاوى الآباء تتزايد بسبب رغبات الأبناء واحتياجاتهم، وتحكمهم داخل بعض الأسر في كل صغيرة وكبيرة، أنا شخصياً لا أتمرد على والدي، لكني حين أتقدم باقتراح، فإنني أدافع عنها بقوة لأنني أجد في هذه الرغبة منفعة لي وللأسرة، فمثلاً حين عُرضت فكرة تغيير مسكننا الحالي بآخر رفضت، لأن هذا التغيير سيضر بتحصيلي الدراسي، خصوصاً وأن التحضير لاجتياز امتحان شهادة البكالوريا يقتضى الاستقرار إلى حين انتهاء الموسم الدراسي، وهو الموقف الذي تفهمته أسرتي».
العولمة وعجز عن السيطرة
غير أن حسن بلبروض، مهندس، يؤكد من جهته بأن زمن العولمة بكل ما يحمله من سلوكيات سلبية، إلا أن الآباء أصبحوا فيه عاجزين تماماً عن السيطرة على الأبناء الذين راحوا ضحية قيم الغرب، وكذلك انشغال الآباء بتأمين موارد الحياة للأسرة، جعلهم يفقدون السيطرة على تربية الأبناء ومراقبتهم.
إيمان الميساوي، طالبة، تقول: «طاعة الوالدين وبرهما أمر واجب، وفي جميع الحالات ينبغي مراعاة مشاعر الوالدين واجتناب ما يغضبهما، ولا أنكر أن بعض طلباتي تقابل بالرفض، لكنه رفض مبرر من الوالدين، وعلى الأبناء عدم الانسياق إلى التمرد في حالة رفض رغباتهم».
الإهمال يولد شباباً ساخطاً
ترى كنزة حديدو، طالبة، أنه من الخطأ تعميم ظاهرة تسلط الأبناء؛ لأن مسؤولية تربية هذا الجيل تعود للأب أولاً، فإن أهمل أبناءه وكان متسلطاً فسنكون أمام شباب ساخط، وإذا كان من حق الأبناء المطالبة بتحقيق احتياجات قد لا تكون في مقدور الأسرة، فعلى الآباء والأمهات، إقناع الأبناء بعدم إمكانية تحقيق رغباتهم بسبب أو بآخر».
الرضوخ لرغبة السفر
تحكي الحاجة رقية، 65 سنة، كيف رضخت لرغبة ابنها الذي كان يحلم بالهجرة للعمل بالخارج، تقول: «كان مصراً على الهجرة، وحلمه الوحيد عبور البحر على غرار بعض أصدقائه، سعيت بادئ الأمر لإقناعه بالمكوث، إلا أنه أصر على الذهاب رغم أنه يعلم مسبقاً بأنني لا يوجد لدي ما يكفي من المال، لم تكن تعجبني تصرفاته، لأنها ضد قواعد الاحترام والمحبة، وبالفعل قمت بالاقتراض وجمعت المبلغ الذي يريده لتفادي سلوكياته المستفزة، وفي نهاية الأمر بعدما جمع المبلغ المطلوب، فوجئ يوماً بخبر اعتقال الرجل صاحب العقود الذي كان يبيع الوهم للشباب».
غياب دور الأسرة
يصف مبارك خزني، مندوب تجاري، هذا التحول بـ«الغريب» داخل الأسرة، فشل الأب والأم معاً في تحصين الأبناء من سلبيات العولمة، وغياب دور الأسرة التي اكتفت بالمشاهدة لهذه الظاهرة التي يتبعها الشباب عامة، ويحمل مبارك المسؤولية للوالدين اللذين تخليا عن دورهما في تربية النشء على أساس الشريعة الإسلامية، التي تدعو لطاعة الوالدين، والتي من شأنها أن تمنع الآثار السلبية للعولمة على مستوى تربية الأبناء.
لا الحوار ولا العنف يُجدي
رأي الدين:
يرى الدكتور إدريس البخاري، خريج دار الحديث الحسنية، والحاصل على دبلوم الدراسات الإسلامية العليا، أن ما ورد من آراء في سياق هذا التحقيق، هو صور من الواقع الذي نعيشه، فهناك آباء يشكون من سلطة ونفوذ أبنائهم داخل الأسرة، مما يقلق راحة الوالدين، وهنا تنبغي الإشارة إلى:
* طاعة الأبناء للوالدين عملاً بقوله تعالى: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً»، فالله يأمر الأولاد بأن يبروا الوالدين، وطاعتهما في كل ما يرضي الله عز وجل، وفي آية أخرى «ووصينا الإنسان بوالديه» الآية 14 سورة لقمان، وإذا كان من حق الابن أن يطلب شيئاً من والديه، فينبغي أن يكون ذلك بلطف وأدب مع مراعاة الظروف المادية للوالدين، وأنهم يمتلكون القدر الكافي من المال لتحقيق هذا الطلب وإلا فلا داعي لتحقيقه.
* لابد من سيادة ثقافة التشاور والإنصات للآخر؛ عملاً بقوله تعالى: «وشاورهم في الأمر» فلا عجب في أن يتشاور الآباء مع أبنائهم في أمور تهم الأسرة، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه».
رأي علم الاجتماع
يرى الدكتور عزيز بلحاج، باحث اجتماعي، بأن هناك إحساساً فعلياً لدى الآباء بما يسمى بـ«نفوذ الأبناء»؛ بدعوى أن الأبناء أصبحوا لهم سلطة القرار، وفرض الأمر الواقع في إلغاء أي قرار أو تأييده في وقت تراجعت فيه سلطة الأب ويضيف: «هو أمر حساس، فلابد من استعمال أسلوب لين، بعيداً عن لغة التهديد والوعيد والاستفزاز والعصبية؛ لأن مصيبة بعض الآباء هي أنهم ليس لديهم الاستعداد للانفتاح على أفكار أبنائهم، ولا يملكون القدرة الأدبية والأخلاقية اللازمة، التي تمكنهم من تغيير مواقف وسلوكيات أبنائهم الذين يجدون في موقف الآباء ما يشعل عدوانيتهم، الخطأ في النهاية هو خطأ الآباء؛ لأنهم لم يواكبوا رعايتهم، وافتقدوا للمنهاج التربوي السليم في تصحيح اعوجاج الأبناء».