كان في البدء مجرد تعليق على الفيسبوك من شاب، دعى إلى التضامن مع والدة الراحلة خديجة السويدي، لتتوالى التعليقات في دقائق والكل يكتب اسمه لتلبية الدعوة، "نعم ولم لا"..
شكل المتضامنون ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى من مدينة الرباط، والثانية من مدينة الدار البيضاء، والثالثة من مدينة بنجرير التي تقع جنوب البلاد.
كان اللقاء في مدينة صخور الرحامنة، هناك التقت المجموعات الثلاث، يجمعها هدف واحد هو التضامن مع سيدة أحرقت ابنتها نفسها احتجاجاً على عدم إنصافها في محاكمة يفترض فيها إنزال أشد العقوبات على مقترفيها.
كانت الساعة تشير إلى الثانية والنصف بعد الظهر، انتظر بعضنا داخل السيارات لشدة الحرارة التي بلغت وقتها ما يزيد عن 42 درجة، مرت نصف ساعة لتلتحق بنا والدة الضحية، التي أتت في سيارة "النقل السري" لتسهل علينا الوصول إلى منزلها.
وصلنا منزل الضحية، سور كبير بداخله بيت مبني بحجارة مصففة لا يحمل من اسم المنزل إلا حرف الميم، جدرانه من غير سقف.
لا تقلقي
"دوار زاد الناس" اسم على غير مسمى، هو الدوار الذي كانت تقطنه خديجة، والذي يبعد عن صخور الرحامنة بضع كيلومترات، كان ذلك قبل أن تقرر الانقطاع عن الدراسة والرحيل بعيداً من أجل عيش أفضل لها ولوالدتها. هكذا أخبرتنا والدة الراحلة بصوت متهدج ويدين مرتعشتين، وهي تمسك بصورة ابنتها، ثم قالت وهي تتذكر تفاصيل ما حصل وكأنه كان بالأمس: "لم تكن تفكر في شيء آخر سوى الرحيل وتحقيق حلمها، يوم خرجت أبلغت الشرطة، ومرت ثلاثة أيام على غيابها لتتصل بي وتقول لي "لا تقلقي علي أنا بخير"، وحين سألتها عن مكانها أخبرتني أنها رحلت بعيداً، كنت أعلم أنها تكذب وأعادت على مسامعي أسطوانتها المعهودة "لا تقلقي بشأني".
من الدرجة الثالثة
تنهمر الدموع من عيني "أمي فاطمة" وهي تحكي كيف علمت بخبر حرق ابنتها لنفسها: "كنت طريحة الفراش، اتصلت بي الشرطة ليلاً، أن أسرعي فلقد أحرقت ابنتك نفسها. انتظرت حتى الصباح فالظلام حالك، وليس لدي وسيلة نقل تقلني إلى هناك، في الصباح الباكر توجهت إلى المستشفى، الذي ترقد فيه ابنتي كانت كلها مغطاة بالضمادات إلا قدماها، أخبروني أن حريقها من الدرجة الثالثة، جلست بباب المستشفى والتقيت بالشاب الذي حاول إنقادها دون جدوى، كانت يده هو الآخر قد نالت منها النار.
صاحت "أمي فاطنة" فجأة، وهي تبكي بحرقة: "أريد محاكمة عادلة حتى ترتاح ابنتي في قبرها، لقد اعتدى عليها ثمانية وحوش دون رحمة وصوروها بالفيديو وهددوها بعدما علموا أنها قد أبلغت الشرطة عنهم، وحينما اتصلت بي تخبرني أنها خائفة من تنفيذ وعيدهم لم أجد لها يكن بيدي سوى الدعاء للخالق عز وجل هو سند المظلومين".
على كلفتنا
توفي زوج "أمي فاطنة" وهي حامل بابنتها الصغرى، ليس لها مورد رزق غير بضع مواد للتنظيف تبيعها في السوق الأسبوعي، وألف التي خصصتها الدولة للأرامل كل أول شهر، امرأة أمية كل ما كانت تريده من هذه الحياة هو أن تتعلم بناتها ولا يكن مثلها، تعلّق: "كنت أضع إمضائي على محاضر الشرطة دون أن أعرف مضمون الورقة".
خرجنا من المنزل بعدما ودعنا أخوات الراحلة وأخدنا عهدا من أختها التي تدرس بالسنة أولى إعدادي أنها ستكمل دراستها التي انقطعت عنها لمدة عام على أن نتكفل بها.
لا تحزني
صحبتنا والدة الضحية غير بعيد عن منزلها، لترينا قبر ابنتها، جلست بجانبه وهي تبكي وتحكي لها: "لقد جاء إخوتك لزيارتك، لا تحزني فالفرج قريب".
غادرنا الدوار وحتى كتابة هذه الأسطر لازال المجتمع المغربي، ينتظر بفارغ الصبر حكم المحكمة الذي سيصدر نهاية هذا الشهر على أمل تحقيق عدالة والضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه العبث والاستهتار بالأمن في البلاد.
شكل المتضامنون ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى من مدينة الرباط، والثانية من مدينة الدار البيضاء، والثالثة من مدينة بنجرير التي تقع جنوب البلاد.
كان اللقاء في مدينة صخور الرحامنة، هناك التقت المجموعات الثلاث، يجمعها هدف واحد هو التضامن مع سيدة أحرقت ابنتها نفسها احتجاجاً على عدم إنصافها في محاكمة يفترض فيها إنزال أشد العقوبات على مقترفيها.
كانت الساعة تشير إلى الثانية والنصف بعد الظهر، انتظر بعضنا داخل السيارات لشدة الحرارة التي بلغت وقتها ما يزيد عن 42 درجة، مرت نصف ساعة لتلتحق بنا والدة الضحية، التي أتت في سيارة "النقل السري" لتسهل علينا الوصول إلى منزلها.
وصلنا منزل الضحية، سور كبير بداخله بيت مبني بحجارة مصففة لا يحمل من اسم المنزل إلا حرف الميم، جدرانه من غير سقف.
لا تقلقي
"دوار زاد الناس" اسم على غير مسمى، هو الدوار الذي كانت تقطنه خديجة، والذي يبعد عن صخور الرحامنة بضع كيلومترات، كان ذلك قبل أن تقرر الانقطاع عن الدراسة والرحيل بعيداً من أجل عيش أفضل لها ولوالدتها. هكذا أخبرتنا والدة الراحلة بصوت متهدج ويدين مرتعشتين، وهي تمسك بصورة ابنتها، ثم قالت وهي تتذكر تفاصيل ما حصل وكأنه كان بالأمس: "لم تكن تفكر في شيء آخر سوى الرحيل وتحقيق حلمها، يوم خرجت أبلغت الشرطة، ومرت ثلاثة أيام على غيابها لتتصل بي وتقول لي "لا تقلقي علي أنا بخير"، وحين سألتها عن مكانها أخبرتني أنها رحلت بعيداً، كنت أعلم أنها تكذب وأعادت على مسامعي أسطوانتها المعهودة "لا تقلقي بشأني".
من الدرجة الثالثة
تنهمر الدموع من عيني "أمي فاطمة" وهي تحكي كيف علمت بخبر حرق ابنتها لنفسها: "كنت طريحة الفراش، اتصلت بي الشرطة ليلاً، أن أسرعي فلقد أحرقت ابنتك نفسها. انتظرت حتى الصباح فالظلام حالك، وليس لدي وسيلة نقل تقلني إلى هناك، في الصباح الباكر توجهت إلى المستشفى، الذي ترقد فيه ابنتي كانت كلها مغطاة بالضمادات إلا قدماها، أخبروني أن حريقها من الدرجة الثالثة، جلست بباب المستشفى والتقيت بالشاب الذي حاول إنقادها دون جدوى، كانت يده هو الآخر قد نالت منها النار.
صاحت "أمي فاطنة" فجأة، وهي تبكي بحرقة: "أريد محاكمة عادلة حتى ترتاح ابنتي في قبرها، لقد اعتدى عليها ثمانية وحوش دون رحمة وصوروها بالفيديو وهددوها بعدما علموا أنها قد أبلغت الشرطة عنهم، وحينما اتصلت بي تخبرني أنها خائفة من تنفيذ وعيدهم لم أجد لها يكن بيدي سوى الدعاء للخالق عز وجل هو سند المظلومين".
على كلفتنا
توفي زوج "أمي فاطنة" وهي حامل بابنتها الصغرى، ليس لها مورد رزق غير بضع مواد للتنظيف تبيعها في السوق الأسبوعي، وألف التي خصصتها الدولة للأرامل كل أول شهر، امرأة أمية كل ما كانت تريده من هذه الحياة هو أن تتعلم بناتها ولا يكن مثلها، تعلّق: "كنت أضع إمضائي على محاضر الشرطة دون أن أعرف مضمون الورقة".
خرجنا من المنزل بعدما ودعنا أخوات الراحلة وأخدنا عهدا من أختها التي تدرس بالسنة أولى إعدادي أنها ستكمل دراستها التي انقطعت عنها لمدة عام على أن نتكفل بها.
لا تحزني
صحبتنا والدة الضحية غير بعيد عن منزلها، لترينا قبر ابنتها، جلست بجانبه وهي تبكي وتحكي لها: "لقد جاء إخوتك لزيارتك، لا تحزني فالفرج قريب".
غادرنا الدوار وحتى كتابة هذه الأسطر لازال المجتمع المغربي، ينتظر بفارغ الصبر حكم المحكمة الذي سيصدر نهاية هذا الشهر على أمل تحقيق عدالة والضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه العبث والاستهتار بالأمن في البلاد.