تقدم الأمهات دائماً العديد من التضحيات من أجل أسرهن وأبنائهن، فتفني الأم حياتها من أجلهم، وهي تهتم بشتى تفاصيل حياتهم اليومية، وتعمل على السهر على راحتهم ورعايتهم والاهتمام بما يجب أن يقوموا بتناوله يومياً، ويمكننا أن نقول إن الأم هي محاربة من الطراز الأول لا يعيقها شيء عن التضحية من أجل أبنائها والحفاظ عليهم.
وعلى مر التاريخ، هناك العديد من الأمهات قدمن لأبنائهن ما هو أكثر من الطعام والشراب، فقد قمن بالتضحية بحياتهن ومحاربة كل من يقترب منهم، وخُلدت أسماؤهن بين صفحات التاريخ، ولعلنا هنا نتذكر بعض تلك التضحيات التي سطرت أحرفها من ذهب:
أوليمبياس والدة الإسكندر الأكبر:
الإسكندر الأكبر هو واحد من القادة العسكريين الأكثر نجاحاً في كل العصور، وقد امتدت الإمبراطورية التي تولى قيادتها من البحر الأبيض المتوسط إلى جبال الهيمالايا، لكن ذلك النجاح لم يكن وليد الصدفة، فقد كان هناك دور كبير لوالدته في ذلك.
أوليمبياس كانت الزوجة الرابعة لوالد الإسكندر الأكبر، وكانت قوية الشخصية وحادة الطباع، وكانت لديها شعائر غريبة، حيث كانت تنام مع مجموعة من الثعابين، وعند مولد ابنها الإسكندر عزمت على أن يكون هو الوريث الوحيد، وسعت لذلك بكل الوسائل، فقامت بالتخطيط لقتل زوجها، كما قامت بقتل أخوين غير شقيقين للإسكندر الأكبر للتخلص منهما.
بعد نجاحها في جعل ابنها يتربع على عرش مقدونيا، حثته على توسيع مملكته، ولكن انقلب السحر على الساحر، فبعد 7 سنوات توفي الإسكندر مسموماً، وبعد وفاته قامت النخبة السياسية في مقدونيا بالقبض عليها وإعدامها.
وو تسه تيان الإمبراطورة الوحيدة في الصين:
كانت خادمة في القصر الإمبراطوري في الصين، وقامت بقتل شقيقها وشقيقتها، ثم الإمبراطور، فعلم ابن الإمبراطور بجريمتها، وسألها عن السبب: فأجابت بأنها قتلتهم جميعاً لعلها ترى الشخص ذاته الذي رأته في جنازة أمها مرة أخرى، فأعجب بها وتزوجها.
وبعد وفاة زوجها، كسرت جميع القواعد، وقلدت نفسها إمبراطورة على الصين باعتبارها ذات سيادة مستقلة، وظلت تحكم حتى سن 82 عاماً، وتوفيت بمرض خطير، وقبل وفاتها سلمت زمام الإمبراطورية لابنها.
كاثرين دي ميديشي:
زوجة ملك فرنسا هنري الثاني الذي حكم في الفترة الواقعة بين (1547-1559)، بقيت كاثرين يتيمة لفترة طويلة بعد ولادتها، فقامت على تربيتها الراهبات في فرنسا، وفي سن 14 عاماً تزوجت من هنري الثاني، وأنجبت منه ثلاثة ملوك، وبعد وفاته عمدت على الوصاية على العرش لحماية أبنائها في الفترة الواقعة بين (1560-1574)، وفعلت كل ما يمكن لضمان بقاء أطفالها على السلطة، فقبلت بأمر الزواج الذي أصدره البابا، وتزوجت دوق أورليان، كما شاركت في التخطيط لمذبحة هاجينوت للتخلص من المعارضين، وتوفيت كاثرين بعدما قتل ابنها هنري الثالث بـ8 أشهر في 5 يناير 1589.
إيزابيلا الأولى موحدة إسبانيا:
شنت مع زوجها حملة عسكرية للاستيلاء على مدينة غرناطة، وقد أمرت الملكة بإنشاء محاكم التفتيش التي قامت بطرد ثلاثة ملايين من المسلمين الذين لم يغادروا الأندلس بعد سقوطها، وتعذيبهم بجميع أنواع آلات التعذيب، وضمنت إيزابيلا الاستقرار السياسي طويل الأجل في إسبانيا عن طريق ترتيب الزيجات الاستراتيجية لأطفالها الخمسة، أولى بناتها إيزابيلا الصغيرة تزوجت من ملك البرتغال الفونس، ولكن سرعان ما ماتت إيزابيلا قبل ولادة ولي العهد البرتغالي.
كليوباترا ملكة مصر:
لعبت الأمومة دوراً رئيسياً في استيلاء الملكة المصرية على السلطة،والتي عززت نفوذها السياسي في روما بعدما أنجبت من يوليوس قيصر ومارك أنطونيو، وبعد وفاة القيصر، أصبح ابنها قيصرون البالغ من العمر ثلاث سنوات الملك الرسمي لمصر، وسعت كليوبترا للحفاظ على ملكها، فقامت بالزواج من أنطونيو، وأنجبت منه 3 أبناء.
صارعت وخاضت عدة معارك ضد أوكتافيوس للمحافظة على مملكتها ولتوسيع نفوذها، ولكن رغم جهودها، آلت بها الأمور إلى الانتحار خوفاً من الأسر، وتم التخلص بعد فترة من قيصرون وشقيقه، أما الشقيقة الصغرى فقد أصبحت في النهاية ملكة الجزائر.
سطرت الأم العديد من الأسطر في صفحات التاريخ، ولعبت دوراً غاية في الأهمية في ترسيخ وفرض سيطرتها، فكانت غريزة الأمومة دائماً هي الدافع الذي يغذي دورها في مشاهدة ولدها يعتلي أعلى المناصب، ومن أجل تلك الغاية، كانت هناك العديد من المذابح والضحايا والطرق الغير مشروعة للوصول إلى سدة الحكم.