على مايبدو أن دور الفنانة نسرين طافش في مسلسل شوق لم ينل رضا الكثيرين من صناع الدراما، وتلقت هجومًا واسعًا من قبل العديد من النقاد، وكان آخرهم الناقد الدرامي ماهر منصور، حيث كتب عن دور طافش في مسلسل «شوق»: يبدو «المونوتون» الذي سيطر على أداء الفنانة نسرين طافش لشخصية شوق في مسلسل «شوق»، صدى لـ«مونوتون» آخر في البناء الدرامي لشخصيتها، جعل هذه الأخيرة تتكلم أكثر مما تفعل، وظاهر ما يقال عنها أكبر بكثير مما هي عليه بالفعل.
يقول تصوير شخصية «شوق» عنها الكثير، فهي الفتاة المتزنة العاقلة، صاحبة الشخصية المسؤولة، التي تحظى باحترام وثقة كل من حولها، وتقديرهم لمواقفها لاسيما لجهة مقاومتها الظروف الصعبة التي ألمت بها إثر فقدان عائلتها في الحرب السورية، وقدرتها على تجاوز أزمتها وصولًا إلى توليها مسؤولية العناية بأخيها.
شوق وفق التصوير المادي لشخصيتها كانت شابة جميلة وأنيقة أيضًا، بقلب حالم وعقل راجح يفلسف الأشياء حوله وفق منطق إنساني خاص به، يزيد شخصيتها الكاريزمية سحرًا وجاذبية بين الناس.
تصوير شخصية شوق على هذا النحو، وفق ما يقوله الآخرون عنها، أو ما تقوله هي عن نفسها، لا يعني بالضرورة أن شخصيتها الحقيقية كذلك، فرغم أن هذا التصوير قد يصلح أن يكون مفتاحًا لفهم حقيقة تلك الشخصية، ولكن كل ما يقال عنها يحتمل أن يكون صحيحًا أو العكس، ولا شيء يحسم ذلك سوى مواقف شخصية «شوق» التي تتخذها تحت الضغط في الأزمات، وهذه الأخيرة اقتصرت في المسلسل، بشكل رئيسي، على أزمتين اثنتين ألمتا بشوق هما: زواج مجد وافتراقه عنها، وإصابتها بالزهايمر المبكر، وخلالهما اتبعت شوق سلوكًا يكاد أن يكون طبيعًا سواء في الابتعاد عن حبيبها «مجد»، أو في حالة نكران المرض ومقاومة العلاج (أكد الطبيب المعالج لشوق أن حالة النكران تلك طبيعية ومعتادة لمن يصاب بالمرض ذاته)… وبذلك تبدو «شوق» عمليًا، لا كما قيل عنها، فتاة عادية، إذ لا يمكن الخروج بدلالات خاصة ترسم شخصية «شوق» الحقيقية من خيارات طبيعة وتصرفات متوقعة.
ولو تجاوزنا فكرة أن سلوك شوق طبيعي ومتوقع، وبدأنا بالبحث ضمن خياراتها في كلتا الأزمتين عن بعض من الملامح الخاصة لشخصيتها الحقيقة، انطلاقًا من حقيقة أن ما يظهره الناس عادة ليس كل حقيقتهم، ألا تبدو خيارات شوق تجاه أزمتها مع «مجد»، مخالفة لطبيعة خياراتها، غير المتوقعة، التي افترضتها الحكاية منذ البداية؟، إذ قدمتها لنا الحكاية بصفتها امرأة تختار، بكامل وعيها، خوض غمار علاقة عاطفية مع شاب تعرف أنه يلبس خاتم امرأة سواها.
ذلك السلوك، أي الارتباط بشاب مرتبط، كان منذ البداية يحتمل المخاطرة ويكشف ما هو استثنائي في شخصية شوق أو فلسفتها للأشياء، إلا أن «شوق» تعود لسلوك ما هو طبيعي ومتوقع في قرار الابتعاد عن مجد على نحو يخالف منطق سلوكها عند ارتباطها به، ورغم أن خيار «شوق» الجديد كان من شأنه أن يكشف جانبًا من تغير في الطبيعة الداخلية لشخصية شوق الحقيقية، ربما بدافع أزمات طارئة وقناعات جديدة، إلا أن الكاتب لم يقدم لنا فهمًا موثوقًا لهذا الدافع أو حتى أوحى به.
لو تجاوزنا كل ما سبق برمته، أو حتى أخطأنا في تقديرنا له، ألا تستحق شخصية «شوق» وفق تصوير الشخصية الذي بدت عليه في حوارات الآخرين عنها، وفي حديثها الذاتي.. أن تُكتب أبعادها الرئيسية وحواراتها بعمق يكشف أكثر ما تبدو عليه في ظاهر سلوكها، أو يؤكده؟
بالعموم الحلقة المفقودة في البناء الدرامي لشخصية «شوق» كانت في الافتراض الجاهز لطبيعة شخصيتها، على نحو لم يكن أحدٌ، سواء الكاتب حازم سليمان، أو المخرجة رشا شربتجي، أو الفنانة نسرين طافش، قادرًا على امتلاك المرونة الكافية لإدارتها وفق ما تقضيه مجريات صراعاتها الداخلية والخارجية، والقوى التي تعاند البطل وتوسع من الفجوة بين ما يريد وما يحدث وحدث فعلًا، لنتأمل هذه الجملة التي تخاطب شوق فيها أخاها «آدم» المتذمر من حال البلد ويرغب بالهجرة، تقول شوق: «نبقى أفضل من كثير من الناس، على الأقل نحن لم نزل نحلم ونفكر»، هذا حوار يتسق مع شخصية شوق الجاهزة في ذهن صناعها، لكنه يبدو مفارقًا لواقعها بوصفها المثكولة بموت والديها في هذه الحرب، وبوصفها شخصية تعيش وسط أناس بينهم من تهجر من بيته، وآخر قضى تحت ركامه، وثالث مفقود، ورابع معتقل، وخامس مفجوع بموت قريب أو إصابته، وكثيرون سواهم يعيشون في أدنى ظروف المعيشة وأصعبها.
ذلك كله يجعلنا نعتقد أن شخصية «شوق» كانت في كل مرة تتكلم، سواء عبر نفسها أو عبر الآخرين بالنيابة عنها، وقلما كانت تفعل، رغم أن الدراما فعل بالضرورة.