من الأمور الخطرة جداً، تلك المسكوت عنها في الكثير من المجتمعات، حتى في المجتمعات المتفتحة، ولعل من أخطر هذه الأمور، هو التحرش الجنسي بالأطفال، وما قد ينتج عنه من إيذاء شديد للطفل، ليس فقط في طفولته، ولكن أيضاً عندما يكبر، فقد يتحول هو نفسه إلى معتدٍ، أو قد يبدأ في الانحرافات الجنسية والشذوذ.
والجانب الآخر هو التأثير السلبي على العلاقة داخل أفراد الأسرة؛ وبخاصة الشعور بالذنب لدى الأبوين والطلاق والتفكك الأسري؛ إذا كان المعتدي قريب الصلة بالأسرة.
الحالة:
السيدة ف. ب. أرسلت إيميل؛ تطلب المساعدة العاجلة من مشكلة تؤرق كافة أفراد الأسرة، وتقول أرجوكم ساعدونا في علاج ابني، وأرجوكم انشروا الوعي للآباء والأمهات، ساعدوهم على حماية أولادهم قبل فوات الأوان!
تقول: المشكلة التي تعرضت لها الأسرة جعلتها تدرك مدى ضعف الوعي بحجم المشكلة، والخلل الكبير الذي يعاني منه المجتمع، وعجز الكثير من المعنيين في التعامل مع مثل هذه المشاكل.
المشكلة بدأت من حوالي الشهرين؛ عندما بدأت تلاحظ أن ابنها البالغ من العمر 7 سنوات، ويدرس في الصف الثاني الابتدائي، بدأ يسأل عن أمور في غاية الغرابة، مثل «السائل المنوي- هل يفقد الولد العذرية مثل البنت»!!
وتقول: في البداية كنا، والده وأنا نضحك ونقول إنه جيل واعٍ ومتفتح، ولم نعِر الأمر أي اهتمام، ولكن مع زيادة إلحاح الولد في الأسئلة، وما بدأ يظهر عليه من تغيرات في السلوك مثل: حرصه على غسل ملابسه الداخلية، ومحاولاته المتكررة في معرفة مايدور بيني وبين والده في الأوقات الحميمة، بدأت أشعر أن هناك خللاً ما.
طلبت من زوجي أن نجلس مع الولد للحديث، أصبت بصدمة شديدة حين رفض الولد، وقال «أنا بخير»، وطلب زوجي موعداً مع طبيب الأطفال؛ لنتابع حالة الولد، وكانت الكارثة حينما أخبرنا الطبيب بعد المقابلة والكشف على ابني بأنه تعرض لعدة مرات من الممارسة الجنسية، وعلى ما يبدو وأنها من قبل أحد الأقارب؛ مما جعله يفقد القدرة على التحكم في البراز بصورة كاملة، وأن هذا الوضع له على الأقل سنة.
شعرت بالألم، وبدأت أفكر في مستقبل ابني، وأخذ زوجي يلومني، بأنني لم أنجح في الحفاظ على ابني، وهددني بالطلاق.
أنا قلقة جداً، ماذا أفعل؟
الإجابة :
أولا أشكرك على فتح ملف التحرش الجنسي بالأطفال خاصة الأولاد الذكور في مجتمعنا، وهو من الأمور الشائكة والخطيرة جداً، والتي يندر أن نناقشها بعمق، بعيداً عن العاطفة والانفعال غير المفيد.
أثبتت الدراسات الطبية والاجتماعية التي أجريت على عينة من الأطفال في المرحلة الدراسية المبكرة، والتي أظهرت أن هناك اهتماماً جيداً بتوعية البنات بمخاطر التحرش الجنسي؛ أكثر من تلك الموجهة إلى الأولاد الذكور، كما أظهرت أن الطفل أحياناً كثيرة، لا يفهم النصائح التي يقدمها الوالدان له، خاصة وأن بعض الآباء يشعرون بالحيرة تجاه ما يجب أن يقال أو لايقال؛ خوفاً من تفتيح مدارك الطفل دون داعٍ.
وهناك خمسة قواعد أساسية لابد أن يعرفها الطفل، بنتاً كانت أو صبياً، حول موضوع التحرش الجنسي:
1. التحرش الجنسي لابد أن يفهمه الطفل من سنوات عمره المبكرة، والاهتمام يكون تجاه البنت والولد بالتساوي، ويجب أن يعرف أن أي فعل يحدث له من أي شخص بعيد أو قريب يحدث في الخفاء، ويحمل أي معنى جنسي «ويتم شرح المعنى الجنسي بحسب عمر الطفل».
2. يجب أن يفهم الطفل، أن التحرش الجنسي قد يصدر من الرجل أو من المرأة، من الكبير أو من المراهقين، وحتى من الأطفال الآخرين في مثل سنه، وليس فقط من الرجال الأكبر.
3. يجب أن يفهم الأولاد الذكور، أنه ليس من الرجولة الصمت عن أي فعل تحرش أو لمس لهم، وأنه يجب التحدث عنه ومعاقبة الفاعل وعدم الخوف على سمعته كذكر، مهما كان، فهو فعل إجرامي وليس مرتبطاً بالرجولة أبداً.
4. يجب أن يفهم الطفل أنه لا يوجد أي علاقة بين الحب والتحرش الجنسي، وهذه المعلومة مهمة جداً للأولاد والبنات في مرحلة الطفولة المتأخرة، أو في مرحلة المراهقة المبكرة «10-14 سنة».
5. يجب أن يفهم الطفل، أن التحرش الجنسي يعتبر جريمة أخلاقية وجنائية، وأن هناك عقوبات رادعة لها، ويمكن مناقشة بعض الأخطار التي قد تنتج عن هذا الفعل مع الطفل، حسب عمره.
سيدتي: يؤلمني أن أخبركِ أن ما تعرض له طفلك لا يعد فقط تحرشاً جنسياً، وإنما تطور إلى «الاغتصاب»، وهذا ماوجده الطبيب من عدم قدرة الطفل على التحكم في التبرز بصورة طبيعية، وهنا نحتاج إلى تقييم جراحي عاجل لوضع الطفل، كما نحتاج إلى العلاج النفسي التأهيلي للطفل، والعلاج الدعم لك ولزوجك.
تهديد الزوج لك بالطلاق، أعتقد أنه يعكس مدى شعوره بالألم والصدمة مما حدث، أكثر منه رغبة في الانفصال عنك، يجب أن تكونا معاً لمساعدة ابنكما، كما يجب على مدارسنا أن تساهم في تعزيز السلوك الإيجابي لدى الأطفال؛ حتى يستطيعوا التحدث عن مشاكلهم مع معلميهم دون خوف.
كما وأتمنى تطبيق العقوبات الرادعة على كل من يستهتر بحق الأطفال، كائناً من كان.