كانت البداية من خبر قرأته على "تويتر" ضمن هاشتاق "الضحية_عهود" في شهر آيار/ مايو الماضي، حيث ساند معظم المغردين الفتاة ذات السبعة عشر ربيعاً بعد أن قيل إن والدها تحرش بها عدة مرات، لا بل هناك من بالغ في الأمر ليصل إلى اغتصاب الفتاة من قبل أبيها!
لم يعرف أحد ما حدث. لكن ما كان جلياً، هو إقدام عهود على طعن والدها بالسكين أثناء نومه. وهنا يقول أحمد مختار محامي عهود لـ "سيدتي نت": "أفادت عهود -حسب روايتها- أنها تعرضت للتحرش من قبل والدها، مذ كان عمرها أربعة عشرة عاماً، فأخبرت والدتها بالأمر، لكنها رفضت الإستماع إلى هذه الأخبار حيث من المستحيل أن يقدم أب على التحرش بابنته. وهو فعل شنيع يخالف جميع الشرائع والأديان السماوية والأخلاق والأعراف الاجتماعية.
لكن بعد تكرار شكوى عهود، أخذت الأم المسألة بعين الأعتبار. وهنا تبين لها أن ابنتها تعاني من ضغط نفسي جراء محاولة والدها الإعتداء عليها عدة مرات، الشيء الذي انعكس على حالتها الصحية أيضاً وتراجع مستواها الدراسي".
ويرى مختار أن انفصال والدي عهود، وعدم تواصل الأب والأم أدى إلى انعدام فرصة حل المشكلة، أو معرفة جذورها، الشيء الذي أدى لاحقاً، حسب مختار، إلى "تسديد طعنات لوالدها في فراشه، بسبب إصراره على الاعتداء عليها حسب رواية الفتاة".
ويعتقد المختار أن دافع عهود إلى ذلك "ليس انتقامياً أو إجرامياً، بل هو أثر نفسي تراكمي جعلها تقدم على فعلتها من دون وعي أو إدراك، بسبب صغر سنها، وبعد أن خذلها المجتمع، حيث حاولت إيصال معاناتها لكل من هو حولها بدءاً من أمها ثم معلماتها في المدرسة من دون أن تجد حلاً ناجعاً لمعاناتها النفسية وآلامها المعنوية، الشيء الذي أفقدها الثقة بمجتمعها، ما اضطرها إلى اللجوء إلى حل نهائي، من وجهة نظرها، قد ينقذها مما تتعرض له من تحرش ومحاولة اعتداء عليها".
ورداً على ما تداولته بعض التسريبات الصحفية، ومواقع التواصل الإجتماعي، عن احتمالية تعرض عهود للاغتصاب على يد والدها، أجاب مختار قائلاً: "لم يثبت أنها تعرضت للاغتصاب. وإنما ادّعت تعرضها للتحرش. وهاتان الحالتان مختلفتان تماماً في قيمة الاتهام؛حيث أن التحرش سلوك قد يؤدي للاعتداء الجنسي، والفعل المباشر بالضحية، وقد يقف فقط عند التحرش؛ ما يعني أننا نحتاج فيه إلى أدلة وقرائن تثبت فعلاً محاولة المتهم الإقدام على فعلته من عدمها، حتى يوجه إليه الاتهام واثبات صحة الادعاء.
أما الاغتصاب فهو فعل جرمي صريح كامل الأركان وواضح النتائج. وهو بحد ذاته دليل صريح يدين الجاني عند حدوث الفعل لبيان الأثر المترتب على فعلته مباشرة". وهنا يفصل مختار حكم الزاني غير المحصن في الشرع الإسلامي بأنه "الجلد"، أما المحصن فهو "الرجم حتى الموت". وهي أحكام تعزيرية، على حد تعبير مختار، "يطبقها القاضي حسب المصلحة العامة بدءاً بالحرابة والقصاص أو غير ذلك".
إذاً: بما أن عهود تعرضت للتحرش من والدها حسب روايتها ثم طعنته دفاعاً عن نفسها، لماذا لم يوجه أي اتهام لوالد عهود من أجل معاقبته على فعل تحرش؟
سؤال لم نستطع أن نجد له إجابة أثناء بحثتنا في قضية عهود. لكن بعد أن طعنت عهود والدها سجنت ستة شهور في دار رعاية الفتيات بمكة المكرمة. وهذا ما علق عليه مختار قائلاً: "عهود قاصر. اتهمت بمحاولة الاعتداء على والدها بآلة حادة. لذا أوقفت احتياطياً على ذمة القضية في الدار بمكة المكرمة. وقد صدر حكم قضائي بحقها أمضته في دار الرعاية بمكة، ثم أطلق سراحها بعد انقضاء تنفيذ مدة الحكم".
اتصال هاتفي.. والدة عهود
تواصلت "سيدتي نت" هاتفياً مع والدة عهود التي أكدت على تعرض ابنتها للتحرش من قبل والدها أربع مرات. "كانت ابنتي تدافع عن نفسها في كل مرة بمحاولة إبعاد والدها عنها. لقد سألت ابنتي ماذا حدث؟ فأجابت: لا أعرف، حملت السكين وتوجهت إلى غرفة أبي ثم طعنته.
ولم أستيقظ إلا وهو مضرج في دمائه، بعد أن سددت له عدة طعنات". وهنا أبدت الأم استنكارها لما كتب في "تويتر" بعد الحادث، بأن "عهود طعنت والدها غيلة وهو نائم"! وتستطرد قائلة: "ابنتي كانت تدافع عن نفسها، بعد أن تحرش والدها بها أكثر من مرة".
وتؤكد والدة عهود أن ابنتها تمر بأزمة نفسية على الرغم من سعيها للخروج منها بالاندماج في مجتمع جديد، بعد انتقالها إلى مدرسة أخرى. إلا أن آثر الحادث وتداعياته مازال غائراً في نفسها. "أصبحت تخاف من الدم بشكل رهيب. في أحد الأيام جرحت عهود إصبعها، فانهارت وذهبت إلى الحمام لغسيل إصبعها وإطفاء نقطة الدم الصغيرة الخارجة منه".
وبالطبع كان سؤال أم عهود الهاجس لابنتها كما قالت لـ "سيدتي نت": "هل مازلت كما أنت؟"، أي تقصد أن ابنتها مازالت عذراء ولم يعاشرها والدها؟ فقالت أم عهود: "جاءت إجابة ابنتي بلسم طيب جراحي، بعد أن قالت لي نعم يا أمي أنا كما أنا. أبي لم يقرب مني أكثر من محاولات التحرش".
أما ماكان مفاجئاً فكان دردشة "سيدتي نت" مع عهود التي خرجت عن صمتها للمرة الأولى. فتاة جميلة من الداخل والخارج. نسمة رقيقة تشبه سنوات مراهقتها الصغيرة. مليئة بالأمل والقوة رغم ما تعرضت له من إيذاء حسب روايتها. تتحدث إليك على استحياء ملؤه الثبات من دون أن تشير من قريب أو بعيد للحادثة التي تعرضت لها.
تقول: "أنا في الصف الثالث الثانوي في القسم الأدبي. مشغولة بدراستي ونجاحي. أحلم بدراسة الأدب الإنجليزي، لأنني أعشق اللغة الإنجليزية، وأعمل على تطوير نفسي فيها دائماً، من ناحية مشاهدة الأفلام الإنجليزية بلا ترجمة وقراءة القصص والروايات".
ينم صوتها الصغير عن أحلام وطموحات تتعدى مساحتها وفضاءها الخاصين؛ وكأنها تريد أن تنأى بنفسها عن تجربة "شاذة" تعرضت لها حتى تبدأ حياتها من جديد!