في كل يوم وفي كل حكاية وقصة تصل إلينا من العالم كله، يثبت الإنسان بأن الله أعطاه من القدرات ما لا يتصورها هو نفسه، قدرات مخبئة في دواخلنا لا يدركها أو يستطيع استغلالها الجميع، إلا أنها على الرغم من كل ذلك موجودة ولا يمكن لأحد إغفالها أو نكرانها، إنما تريد بعضاً من التركيز والإلتفات لها، والشاب الألماني ساليا كاهوات، هو المثال الأفضل والأقرب الذي يجسد هذه القدرات التي خلقها الله فينا نحن بني البشر.
فقد كاهوات بصره خلال أيام الدراسة، واعتقد أنه مع فقده البصر، سيفقد حلمه بالعمل في المجال الذي يحب، وهو أن يكون موظفاً في أحد الفنادق الراقية، أو أحد المطاعم المرموقة في ألمانيا، لكنه قرر ألا يموت هذا الحلم، وتقدم للعمل لعدة أماكن حتى لقي استجابة من أحد الفنادق المعروفة في مدينة "هامبورغ"، إلا أن كاهوات لم يخبر صاحب العمل بأنه ضرير بنسبة تفوق الـ95%.
واستمر كاهوات في الوظيفة التي يحب، وطوال 15 عاماً من العمل لم يستطيع أي شخص وعلى وجه التحديد مديره المباشر، معرفة حقيقة أنه لا يرى، فقد كان يتعامل مع الأشياء من حوله كأي أحد من المبصرين، ولم يخطئ على الإطلاق في عمله، ورغم أنه ظل خلال كل هذه الأعوام يرتقي في السلم الوظيفي، إلا أن قول الحقيقة لصاحب العمل ظل يلاحقه على الدوام، الأمر الذي أدخله بحالة شديدة من الاكتئاب.
وكان كاهوات قد صرح لوسائل إعلام ألمانية، أن قراره بعدم إخبار مديره بأنه ضرير ولا يستطيع الرؤية إلا بنسبة 5% فقط، كان خوفاً من عدم قبوله في الوظيفة، وظل طوال 15 عاماً يخفي هذه الحقيقة خوف أن يُطرد، مواجهاً فكرة أن أرباب العمل لا يحبذون توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة، وعلى وجه التحديد من لا يستطيعون الرؤية.
وحول تمكنه من معرفة وإدراك تفاصيل العمل، يقول كاهوات إنه تحدى نفسه طوال هذه المدة حتى يظل في وظيفته، وكان يتدرب في أوقات الفراغ على طبيعة العمل، حتى يتمكن من إتقان ما يقوم به بأقل الأخطاء، إذ كان عندما ينتهي من أوقات الدوام، يظل فترات طويلة في التدرب على تحديد نوع المشروبات من خلال شكل القنينة، وتمييز شكل الكؤوس واستخداماتها المختلفة بواسطة اللمس والإحساس.
وبعد 15 عاماً من العيش مع حقيقة لم ترَ النور، قرر كاهوات أن يحكي قصته وحقيقة أنه ضرير بنسبة كبيرة إلى صاحب العمل، الذي رغم أنه تفاجأة بشكل كبير من الأمر، إلا أنه لم يتخذ أي إجراء بحقه، وتركه يستمر في وظيفته، وبعد أن تعدى كاهوات هذه الأزمة، عمل على تأليف كتاب يسرد فيه قصته ومسيرته المهنية التي استمرت بالسير على طريق النجاح بشكل تصاعدي، وأطلق على كتابه عنوان "موعد أعمى مع الحياة"، وها هو كاهوات اليوم، يشغل منصب مشرف إداري في الفندق الكائن في مدينة "هامبورغ" الألمانية.
ويتابع كاهوات بتصريحاته لوسائل الإعلام الألمانية بقوله، أنه وبغض النظر عمّا يحدث في الحياة، وعمّا قد نمر به من ظروف قاهرة وصعبة، يظل في المقام الأول موقفك اتجاه هدفك، ويضيف كاهوات في حديثه، أنه لم يشعر أبداً إنه يعاني من أي إعاقة، أو بأنه يمتلك إمكانيات جسدية محدودة قد تمنعه من عمل ما يريد.
وعن قصة كاهوات الملهمة، قام المخرج الألماني "مارك روتيموند" مؤخراً، بتجسيد قصة ساليا كاهوات من خلال فيلم سينمائي حمل عنوان "رغم الصعوبات"، حيث سيجسد شخصية كاهوات فيه النجم الألماني كوستيا أولمان.