تتّسم مجتمعاتنا العربيّة بإقامة حفلات الزفاف تجري على أعلى المستويات من تحضير وتجهيز للمنزل وللعروس ومستلزماتها. ولكنْ مع اختلاف إيقاع الحياة وأسلوبها بين الأمس واليوم، أصبح هناك اختلاف شاسع في طريقة تزيّن العروس بالحليّ، التي باتت تنحو نحو البساطة وعدم التكلّف... عن هذا الموضوع أجرينا التحقيق التالي.
اختلاف الحليّ بحسب مناطق المملكة
عبدالله العماريجوهرجي، احترف هذه الم هنة أباً عن جدّيقول: "في الماضي، كان يعتمد شكل الحليّ على عادات وتقاليد كلّ منطقة، فمثلاً في جيزان كان الحزام الذهب قطعة أساسيّة، وكان من شبه المستحيل أن يتمّ فرح من دونه. وفي بعض المناطق في جنوب المملكة، إضافةً إلى الحزام، كان هناك "الرشرش"، وهو قلادة بعدّة أدوار، منها بدورين أو ثلاث، وقد تصل إلى عشرة أو أكثر حسب مقدرة المتقدّم للزواج. وكانت هناك "البناجر"، وبالتحديد "الدركتر" و"أبو منشار"، وكانت تأخذ منها العروس 12 حبّة. ثمّ أتت بعدها بناجر بأسماء مختلفة، منها "كأس العالم". ومن القطع المهمّة أيضاً " المزنط"، أو ما يسمّونه "المخنق"، وهو عقد من الذهب ملتصق بالرقبة تتدلّى منه سلاسل؛ إضافةً إلى "اليد الجريحة"، وهي كفّ بخمسه خواتم، و"أساور الثعبان" و"المعضد"، و هو عبارة عن أسورة من الذهب توضَع في اليد تحت الكتف".
حليّ العروس في شبه الجزيرة العربيّة قديماً
المنطقة الغربيّة
روان غازي السهلي مصمّمة مجوهرات وصاحبة العلامة التجاريّة Muse Rawanتقول: "كانت العروس قبل أكثر من 50 سنة في المنطقة الغربيّة (جدّة - المدينة) تستعدّ لثلاث ليالٍ متواصلة. فكلّ ليلة تتجهّز ويتمّ تزيينها من قبل مختصّات بالعروس، وغالباً ما تكون المختصّة من أهل الدار أو قريبات للعروس ممّن يكبرنها سنّاً. وتلبس أجمل ما لديها، وتُخصَّص الليلة الأولى لتطييب جسم العروس.
في الليلة الثانية، أو "ليلة الحنّاء"، تحتفل فيها مع أهل الدار والحارة، حيث تلبس لباساً ورديّ اللون، مطرّزاً باللؤلؤ وجنيهات الذهب. كما تتزيّن بعقد من اللؤلؤ الفاخر والفلّ، وتغطّي وجهها بلثام من اللؤلؤ وخيوط الذهب، وفي يدها أيضاً خاتم من الذهب واللؤلؤ.
أمّا في الليلة الثالثة، وهي "ليلة الفرح"، فتتزيّن العروس بفستانها الأبيض وأطقم الذهب الغنيّة بنقوش تراثيّة جميلة، في دلالة على عزّها في بيت والدها".
لمنطقة الجنوبيّة
"كانت العروس تلبس حزاماً ثقيلاً من جنيهات الذهب يسمّى "رشرش" وكفّاً (وهو قطعة ذهب تلبس في أصابع اليد حتّى الرسغ)، وعدداً من أساور "البناجر" الذهب. أمّا اليوم، فأصبحت هذه القطعة تُهدى للعروس كهديّة ثمينة تبقى للزمن".
المنطقة الشرقيّة
سجى اليوسف مصمّمة مجوهرات وصاحبة العلامة التجارية sajas
تقول: "تتشارك العروس قديماً في المنطقة الشرقيّة الأزياء والثوب والمجوهرات، وحتّى طريقة نقش الحنّاء، مع دول الخليج، وذلك لقرب المسافة بين هذه الدول، كالبحرين والإمارات والكويت. وقد كانت تتزيّن العروس بالعديد من الحليّ، مثل "التراجي"، وتضع "المزنط"، وهو طوق ذهبيّ يُلَفّ حول الرقبة. أمّا في يدها، فتضع "المضاعد" والأساور المنوّعة، وأشهرها "المقمش"، الذي تزيّنه حبّات اللؤلؤ و"الخويصات"، وهي على شكل إناء الخوص الذي كان يجلب به البحّارة الحلوى من الهند. إلى "البناجر"، وهي نوع من الأساور الضخمة كبيرة الحجم، ذات زخرفات بارزة. كما تزيّن العروس أصابعها كلّها بالخواتم، مثل "الفتخة" و"الشاهد" و"الخنصر" و"البنصر"، وترتدي حزاماً من الذهب "قايش" وتزيّن قدمها بالخلاخيل، التي يُطلَق عليها باللهجة المحلّية "الحجول". كما تلبس العروس "الفركيته"، وهو مشبك من الذهب المرصّع بالفيروز يوضع في الشعر.
وهذه الحليّ لا تزال إلى الآن تُعتمد في المنطقة الشرقيّة من أجل الحفاظ على التراث، ولكنّها توضَع فقط في ليلة الحنّاء وشهر رمضان".
حليّ العروس في زمننا الحالي
تضيف روان السهلي: "في المنطقة الغربيّة، تُخصّص حالياً للعروس ليلتان، الأولى "ليلة الحنّاء"، وما زالت العروس تلبس فيها اللباس التقليدي الذي يسمّى بـ"المديني"، ولثام اللؤلؤ وعقد اللؤلؤ والفلّ؛ والثانية هي ليلة العرس، إذ بدأت العروس تخرج عن المجوهرات التقليدية وتلبس تاجاً على رأسها مرصّعاً بالألماس، مع عقد ألماس وأحجار كريمة يتناسب مع طلّتها وفستانها. فهناك مثلاً من تحبّ إطلالة فخمة جدّاً، تتضمّن تاجاً مرصّعاً بالألماس، وعقداً من الذهب والألماس، وخاتم الزواج وأقراطاً وأساور ألماس وأحجار كريمة. وهناك من تحبّ إطلالة الأميرات أو إطلالة العروس الحالمة: تاج من الورد الطبيعيّ (غالباً في أعراس النهار)، مع طقم من الألماس ذي حفرٍ ناعم وأحجار كريمة غير ملوّنة. وباتت أهمّ قطع الزواج في عصرنا الحالي الدبلة وخاتم الزواج، اللذين أصبحا موضة موحّدة حول العالم، على أنّهما من القطع التي تشير في عصرنا الحالي إلى الارتباط بين الزوجين".
"أما في المنطقة الشرقيّة، كما تقول المصمّمة سجى اليوسف، فبعض العائلات تدعو حالياً إلى زفّتين: الأولى زفّة قديمة الطراز، وترتدي فيها العروس ثوب "النشل الأخضر" وتزدان بالالحليّ القديمة؛ أمّا الثانية، فترتدي فيها اللون الأبيض مع طقم ألماس عصري".
سبب اختلاف حليّ العروس بين الماضي والحاضر
يطلعنا الجوهرجي عبدالله العماري على هذه الأسباب، فيقول: "تختلف حليّ العروس في وقتنا الحالي عن الماضي، ولا يعود السبب في ذلك إلى اختلاف الأجيال وأسلوب الحياة فحسب، بل هناك عوامل أخرى مهمّة ساهمت في هذا الأمر، منها:
الوضع الاقتصادي: عندما كانت العروس في الماضي تشتري كلّ أنواع الذهب (المذكورة أعلاه)، كانت التكلفة تصل إلى ثلاثين ألف ريال؛ أمّا في عصرنا الحالي، فمن الممكن أن تبلغ التكلفة مئة ألف ريال وما فوق. فقد كان سعر جرام الذهب آنذاك يتأرجح بين 27، 32 و45 ريالاً فقط. أمّا اليوم، فيصل سعر الجرام الواحد إلى 160 ريالاً، ويرتفع سعره بحسب تكلفة صناعة القطعة. وفي الماضي أيضاً، كان السوق يعتمد على المنتجات المحلّية ذات التكلفة البسيطة.
- الحليّ المستوردة: تشهد السوق حاليّاً دخول أنواع جديدة من الذهب الإيطالي والتركي والسنغافوري، وهي ذات تكلفة تصنيع عالية، إضافةً إلى تكلفة دخولها إلى السوق السعودي، أي ضريبة الجمارك.
- دخول العلامات التجاريّة العالميّة إلى الأسواق السعودية، مثل: كارتييه وفان كليف أند آربلز، وغيرها الكثير.
- انفتاح الجيل الجديد على القنوات الفضائيّة: والتي لم تكن موجودة في القديم، ومشاهدة القنوات التي تعرض عروض دور الموضة العالميّة. وللممثّلات دور كبير في اختلاف ثقافة الاختيار عند الفتيات، واللواتي أصبحن يملن في زمننا الحالي إلى الحليّ البسيطة والناعمة.
دلال العقيل
مصمّمة مجوهرات وصاحبة العلامة التجاريّة "تليدا"
تقول: "كانت حليّ العروس قديماً عبارة عن ذهب خالص 24 قيراطاً، أمّا الآن، فهي عبارة عن ذهب عيار 18 أو 21 قيراطاً، باختلاف التصميم بالطبع. وفي الماضي، كان الذهب يصاغ بلون واحد فقط، وهو الأصفر، أمّا حالياً، فهناك ألوان للذهب، مثل الأصفر والأبيض والوردي. واختلاف حليّ العروس بين الماضي والحاضر يعود إلى الانفتاح على العلامات التجارية العالمية. في الماضي أيضاً، كانت الأشكال محدودة، كـ"حزام الجنيهات" أو "الرشرش" أو "البناجر"، أمّا حالياً، فباتت التصاميم كثيرة التنوّع".
اتّجاهات العروس حاليّاً
وعن طلب العروس في العصر الحالي، يقول عبدالله العماري: "تقتصر مجوهرات العروس حاليّاً على "انسيالات" من الذهب الناعم، أو أساور "أنصاف"، وهي عبارة عن تعليقة مع أقراط وخاتم، أو طقم من الذهب الأبيض أو الأصفر مع خواتم بسيطة. وما زالت "البناجر"، أو الأساور، موجودة، ولكنْ بأذواق مختلفة عن ذي قبل. وباتت العروس تأخذ مع طقم الألماس فقط إسورتين، بينما في السابق كانت تأخذ عشر أساور. وتتراوح التكلفة الإجماليّة في زمننا الحالي بين عشرة آلاف وثلاثين ألف ريال للعائلات ذات الدخل المحدود والمتوسّط، فيما هناك عائلات قد تصل لديها تكلفة ذهب العروس لوحده إلى ثمانين ألف ريال أو أكثر، ولكنّ هذا الكلام ينطبق على فئة قليلة جدّاً".