مهما بلغت التضحيات، ففي سبيل الأم يهون كل شيء، والأقوياء وحدهم الذين يخوضون الصعاب؛ لنيل رضا أمهاتهم، وهل هناك أعظم من الأم؟!
وقد اعتادت أعيننا على أن تشاهد شبابًا وشابات يقفون خلف بسطات الطرق والأسواق لبيع الشاي والقهوة، والمأكولات، والإكسسوارات، وغير ذلك، لكنها لم تعتد أن تشاهد ما في قلوب هؤلاء الباعة، وهو ما عملنا عليه، لنُسعد بأن في داخل فؤاد كلّ منهم تسكن أم عظيمة؛ يهون لأجلها كل شيء.
في «عيد الأم»، نزلت عدسة «سيدتي» لتجالس شبابًا وشابات من البائعين على «بسطات» الأرصفة والأسواق، ولتستمع إلى نبض قلوبهم، وقصص تضحياتهم فداء لأمهاتهم.
هذا واجبي تجاهها
في البداية، قالت لنا أسماء يوسف: «بحثت عن وظيفة لكي أساعد أمي في المصاريف، وقدمت على وظائف كثيرة، لكن لم أتمكن من الحصول على إحداها، وفي يوم من الأيام، شاهدت الأكشاك والبسطات في الطريق، فخطر في بالي أنا أمارس هذا النوع من الأعمال. أتذكر أنه عندما انقطعت الكهرباء عن منزلنا أنني شعرت بالضيق كثيرًا، وتساءلت لماذا يحدث هذا معنا، وأنا والحمد لله أملك قدمين ويدين، ويمكنني أن أعمل أي عمل شريف، لماذا أجلس في البيت وأنتظر المساعدة؟! فبدأت العمل لأساعد أمي، ولتوفير ما يكفي لمتابعة دراستي، ودراسة إخوتي، وهذا أبسط شيء يمكن أن أقدمه لها.
أجلس على الرصيف فداء لأمي
على كرسيه المتحرك، يجلس خلف طاولته ليبيع الشاي. إنه الشاب مساعد عبدالله، الذي أصر على تقديم واجب الضيافة لنا، وقال: «هذا الشاي من صنع أمي». وتابع: «لم أستطع أن أشاهدها تعمل بعدما كبرت في العمر، فيكفي ما عانته من أجلي أنا وإخوتي بعد وفاة والدنا، ولم أتقبل كذلك فكرة أن أشاهدها تجلس على الرصيف لتبيع الشاي. لا عيب في العمل، بل العيب أن تعمل أمي وأنا لدي القدرة على ذلك».
أحببت إسعادها ورد الجميل لها
أما صقر الثقفي، خريج الثانوية، فيقف في ركن، يبيع الأدوات المنزلية ليساعد والدته في المصاريف، عندما التقيناه قال لنا: «أعطي مصروف عملي إلى أمي، أطال الله في عمرها وجعلها قرّة عين لنا. هي فخورة بي لأنني بدأت أعمل، ولما وصلت إليه. أعطيها ما يكفي لتصرف على نفسها، وإخوتي الستة، وهي دائمًا ما تدعو لي بعبارة: الله يسعدك. لذا عندما أعود إلى البيت أحرص على إسعادها ورد شيء مما قدمته لي».
أمي خدعتني لأنها عفيفة النفس
روت لنا فيحاء «أم سليم»، سيدة مطلقة، سبب جلوسها خلف بسطة لبيع «البليلة» والمأكولات الساخنة، قائلة: «بعد انفصالي عن زوجي لم أجد منزلاً أعود إليه سوى منزل أمي، الذي يعيش فيه أيضًا أشقائي الصغار. كانت أمي تخرج يوميًا من العصر إلى العشاء بحجة حضور مجالس تحفيظ القرآن، لكننا اكتشفنا يومًا، بالمصادفة، أنها تخرج لبيع النقاب في الأسواق. أمي بطبعها عفيفة النفس، لذا رفضت أن تُشعرنا بالاحتياج، ولم تطلب منا المساعدة، وبمجرد أن علمت بذلك، بكيت تحت قدميها، وقررت أن أعمل بنفسي».
أجمع المال لأجلها
عبدالله علي، 21 عامًا، روى لنا قصته قائلاً: «أدرس في كلية الصيدلة، وفي الوقت نفسه أعمل في تصنيع العطور وبيعها، وأرى أن أي شاب قادر على الوقوف على قدميه عليه مساعدة عائلته وفي مقدمتها أمه. عن نفسي أعمل في مجال هوايتي، تصنيع العطور، وأجمع المال في نهاية كل شهر، وأضعه عند أمي، وأقول لها: خذي منه ما ترغبين، وافعلي به ما يحلو لك، فتقوم أطال الله في عمرها بتوفير أغراض المنزل، ورعايتنا».
عملت في صغري لأساندها
أما رهف، البالغة من العمر 20 عامًا، فخرجت مبكرًا للعمل لمساعدة والدتها. قالت لنا حينما التقيناها: «أول مصروف أعطيته لأمي كان قبل 14 عامًا، فقد عملت مبكرًا لمساعدتها، على الرغم من أنني الفتاة الوحيدة في البيت، فقد كنت مضطرة إلى تلك الخطوة، بعد تعرض أمي إلى عارض صحي قوي، واحتياجها إلى مساعدة مالية، وعدم وقوف أحد معها، لذا بدأت بالعمل لأكون سندًا لها، وإلى اليوم وأنا أساعدها في البيت وفي المصروف».
سأحقق كل أحلام ملكتي
مريم زايد، فتاة صغيرة، تبلع من العمر 14 عامًا، وعلى الرغم من ذلك تجلس خلف بسطة، تبيع الإكسسوارات. في البداية رفضت أن تشاركنا الحديث، فجلسنا معها، وتحدثنا بعفوية، فكشفت لنا عن سرها الصغير، قائلة: «أمي عليها ديون كثيرة، ووالدي متزوج من امرأة أخرى، ولا يصرف علينا، ما اضطرها إلى أن تعمل لتصرف علينا بنفسها. أنا وأخي الصغير نحبها كثيرًا، لذا قررنا أن نشاركها العمل، أنا وهو نعمل نهارًا، وهي ليلاً، وأحاول قدر استطاعتي أن أوفِّق ما بين عملي ودراستي لكي لا تمنعني من العمل معها».
بعت الفاكهة لتوفير تكاليف عملية والدتي
خلف إحدى البسطات، شاهدنا أحمد جبران، 32 عامًا، يبيع الفاكهة الطازجة والعصائر لزبائنه، سألناه عن عمله، فقال لنا: «أعمل هنا لأعيل عائلتي، خاصة أمي المريضة بحصوة في المرارة، والحمد الله، تمكنت من توفير تكاليف العملية التي تبلغ 25 ألف ريـال، ومهما فعلت فلن أوفيها جزءًا بسيطًا من حقها عليّ، وأتمنى أن أقدم لها كل ما ترغب فيه مهما كان غاليًا، ووالله لو عملت الدهر كله من أجلها فهو قليلٌ عليها».
تحمّل المسؤولية عنها واجبٌ
بدعابة ومرح، قال محمد مجاهد، وهو يقف أمام بسطته التي يبيع عليها إكسسوارات الجوالات: «ماذا أقول، ومن أين أبدأ.. لا أعلم حقًا، فحياتي كلها قصص ومعاناة، حتى إن أغنية (كتاب حياتي يا عين)، تمثلني خير تمثيل». وعلى الرغم من الابتسامة التي ارتسمت على وجه محمد، فإن صوته دلَّ على مسؤولية كبيرة، يحملها هذا الشاب، قال لنا: «الوالدة لديها مرض السكري المزمن، وما زاد الطين بلة إيجار البيت، وفواتير الكهرباء، لذا كان عليّ الخروج للعمل، خاصة بعد وفاة الوالد لحمل العبء وتحمل المسؤولية عن أمي، والتكفل بمصاريف المنزل، وفي هذا اليوم أقول لها: شفاكِ الله يا غالية، وأطال في عمرك».
أتمنى تحقيق أمنيتها
من أمام ركنها الصغير لبيع الإكسسوارات المنزلية، قالت لنا همس الحكمي، 18 عامًا: «بعد أن احتجنا إلى دفع أجرة المنزل، وكذلك تكاليف دراستي، رأيت نفسي مضطرة إلى الخروج إلى العمل، ومساعدة أمي المنفصلة عن والدي، وأول مبلغ جنيته أتذكر أنني أعطيته لأمي، فعبَّرت لي عن فخرها بي، وسعدت كثيرًا، وحقيقة أتمنى لو أحقق كل ما تتمناه أمي، مثل شراء منزل خاص».
أدخر مصروفي لأعيد النور إلى عينيها
أما نورة مجد، 17 عامًا، التي تقف في ركن على الطريق إلى جانب بسطتها لبيع الحقائب، فقالت لنا كلمات تنمّ عن مدى وعيها وإدراكها: «لقمة العيش صعبة، لكن الأصعب أن تُرهق والدتي بالعمل. أنا أكبر إخوتي، وأمي منفصلة عن والدي، وهي التي ترعانا، ووالدتها أيضًا. لقد مرت أمي بعارض صحي أصاب عينيها، وهو الماء الأبيض، وضاق بنا الحال، فخطر في بال أمي أن تقوم بالتسول، لكنني رفضت الأمر جملة وتفصيلاً، فلا يمكنني أن أرى أمي تمد يديها للغرباء، لذا بدأت العمل في البسطات قبل ثلاث سنوات».