العرس أو حفل الزِّفاف هو أحد أهمِّ المناسبات الاجتماعيَّة في مجتمعاتنا العربيَّة التي تحظى بنصيب الأسد من التَّجهيزات والاستعدادات، والتي تصل تكلفتها في المجتمع السعوديّ إلى مئات الآلاف أحيانًا، وعلى الرُّغم من أنَّ هذه المناسبات تتفق عند الجميع في أنَّها أكبر تعبير عن الفرح والسُّرور الذي يتشارك فيه الجميع، إلا أنَّها تختلف من حيث التَّقاليد التي تحكمها، ونظرًا لما يتميَّز به المجتمع السعوديّ من خصوصيَّة في تقاليده الاجتماعيَّة، نرى العروس قد غابت عن بعض حفلات الزَّفاف، والبعض الآخر يكتفين بزفَّة بسيطة برفقة المقرَّبات منهنَّ قبل أن ينعمن بالسَّكينة في بيت الزوجيَّة.
وعندما كان عدم حضور العروس السعوديَّة لحفل عرسها أمراً غريباً، استطلعنا الآراء؛ لنعرض لكم بعض التَّجارب حول أهمِّ العادات والتَّقاليد التي تحكم الأعراس السعوديَّة.
غرفة العروس.. كلمة السِّر
من أكثر ما يميِّز حفلات الأعراس السعوديَّة عن غيرها من الأعراس وجود ما يسمى بـ "غرفة العروس"، وهي غرفة معدَّة للعروس في قاعات الأفراح، وتتميَّز سواءً المستقلَّة منها أو الموجودة في الفنادق بوجود صالات خاصَّة بالنِّساء وأخرى خاصَّة بالرجال، وتأتي إليها العروس بعد تجهيزها وتزيينها في الصَّالون، وأحيانًا تأتي إليها المزينة لتقوم بتزينها في هذه الغرفة التي تحجبها عن أنظار المدعوات، وتقابل زوجها وتتصوَّر معه فيها، ثم تنصرف برفقته حيث تبدأ أولى ليالي الزَّواج السَّعيد.
الحفل في قاعة... والعروس في قاعة
تحكي لنا "منار العتيبي" عن حفل زفافها قائلة: "كان حفل زفافي غريباً ومميزاً، فقد قمنا بحجز قاعة كبيرة للرِّجال وأخرى للنِّساء، أمَّا أنا فقمت بحجز جناح كبير في أحد أشهر الفنادق الكبيرة في الرياض "الفور سيزون" وجاءت إليّ المزّينة والمصوِّرة، وعندما سألنني ألم تذهبي لقاعة المدعوات؟ أجبت: لا، وانتظرت زوجي في الفندق". وعن سبب ذلك أجابت: "بصراحة تتميَّز أعراسنا بكثرة عدد المدعوات، لذا فقد اخترت أن أدعو من أشاء من القريبات والصَّديقات اللواتي أعرفهنّ وأرغب في أن يشاركنني فرحتي إلى جناحي الخاص في الفندق الذي تمَّ تجهيزه لإقامة عرس صغير، وقد قمت باختيار مقعد العروسين وقالب الحلوى والطَّعام، وبعد أن احتفلت مع قريباتي وتصوَّرت معهنَّ، جاءني زوجي من قاعة الرِّجال وتصوَّرنا سوياً مع بعض المقرَّبات اللواتي انصرفن لقاعة المدعوات بعد اطمئنانهنّ علي، وعلى أيّ حال هذه عاداتنا في حفلات الزَّواج".
أمنيات عروس
أما "مريم" فتقول: "بصراحة لا أعلم سبباً محدداً لهذه الأعراف، لكن ما أعلمه جيدًا أنَّ العروس لابدَّ أن تتأخر في النُّزول لقاعة المدعوات؛ حتى يكتمل عددهنّ، فلو بدأ الحفل في التاسعة مثلاً، تنزل العروس بعد منتصف الليل".
وعن حفل زفافها تقول: "تجمّعت المدعوات وبدأن في إقامة المظاهر الاحتفاليَّة وعلت الأصوات بينما كنت أنا في غرفتي أتم آخر اللمسات على طلَّتي النهائيَّة وأتصوَّر، وفي نحو الثانية عشرة بدأت الزفَّة، وجاء عريسي ليأخذني حيث نزلنا إلى القاعة وجلسنا قليلاً ورآنا الجميع، وبعدها انسحبت أنا وزوجي، وذهبنا بعد أن التقطت المصوِّرة بعض الصُّور الجماعيَّة لنا، حتى أننا لم نحضر البوفيه". وتصف شعورها قائلةً: "بصراحة كنت أتمنَّى لو تمكّنت من مشاركة الجميع أجواء الفرح تلك التي لم أحضر إلا بعضًا منها، فكم تمنيت لو أرى كيف تجري الأوضاع أثناء غيابي".
زفَّة قبل بداية الحفل
وتخبرنا "حصة" عن تقاليد حفل الزِّفاف في السعوديَّة قائلة: "في عائلتنا غالباً ما تنزل العروس مبكراً من غرفتها المخصصة لها في الفندق أو في القاعة؛ لتُزف مع قريباتها المقربات جداً اللواتي يحضرن باكراً ليشهدن الزفَّة، وهنّ غالباً الأخوات والعمات والخالات وأم العريس، وبعد الزفَّة تقوم المصوِّرة بتصوير العروس عدَّة صور، ثم تصوِّرها مع قريباتها اللواتي تجلس معهنّ قرابة نصف ساعة، ثم تنصرف مرَّة أخرى إلى غرفتها، حيث تنتظر زوجها ليأتي ويتصوَّر معها، ولا تعود مرَّة أخرى إلى القاعة، أمَّا الحفل فيستمر بعد ذلك لساعات متأخِّرة من الليل، مع العلم أنَّ باقي المدعوات اللواتي يحضرن بعد ذلك لا يرين العروس، وبعضهنّ مع المقرَّبات قد يذهبن للسَّلام عليها في غرفتها قبل قدوم زوجها إليها".
الخوف من الاحتفال
وتعلل "أم لجين" عدم حضورها لحفل زفافها قائلةً: " تنص تقاليدنا على أنَّ العروس يوم زفافها تكون في قمَّة حيائها وتوتُّرها، الأمر الذي يمنعها من المشاركة في الاحتفال، فأنا أتذكّر يوم زفافي أني كنت متوتِّرة، حيث شعرت بأنَّ حياتي ستتغيَّر بأسرها، وسأنتقل إلى عالم جديد مجهول مع شخص غريب عني، وعلى الرُّغم من أنني كنت أثق باختياري الذي وافقت عليه، إلا أنَّ لحظة الجدّ غالباً ما تكون صعبة، فكيف يمكنني أن أتعامل مع مئات المدعوات اللواتي ينظرن إليّ وأنا في هذه الحالة؟، لذا فنحن نكتفي بزفَّة صغيرة وسط المقرَّبات، ثم تنصرف العروس بعد ذلك لغرفتها لانتظار زوجها الذي ستبدأ معه حياتها الجديدة".
عادات
وتقول "جواهر": "ممّا لا شك فيه أنَّ هذا الأمر يتم من منطلق العادات والتقاليد السعوديَّة، ومن منطلق مراعاة مشاعر العروس، وليس للأمر أيّ علاقة بالتدين أو ما شابه، كما يُلاحظ لدينا أنَّ حفلات الزِّفاف تبقى مستمرة حتى وقت متأخِّر من الليل، بينما تنص تقاليدنا على بدء الحياة الزوجيَّة مبكرًا، فكيف يمكن للعروسين البقاء مع المدعوين كل هذا الوقت وإرهاق أنفسهما وسط صخب حفل الزِّفاف؟" .
الرأي الشرعيّ
يخبرنا الشيخ "محمد النجيمي" عضو المجمع الفقهي في السعوديَّة عن رأيه في هذه المسألة قائلاً: "لابدَّ هنا من التَّفريق بين العادات وبين الالتزامات الشرعيَّة الواجبة، فما يتعلَّق بما ذُكر حول بعض تقاليد حفلات الزِّفاف، وعدم حضور العروس لها، يدخل في دائرة العادات والتقاليد التي لا يمانعها الشَّرع، حيث أنَّه لا يوجد نص صريح لما يجب أن يكون عليه العرس، وإن كان هذا النَّمط من الأعراس يعدّ غريباً وربَّما تدخّلت فيه الأعراف السَّائدة، كالخوف من العين والحسد وما شابه ذلك، إلا أنَّه لا يمكننا تحريمه، حيث أنَّه يطبَّق من منطلق العادات".