أظهر تشخيص طبيبتها، أنَّها تعاني من «بؤرة في المخ»، حالة تحتاج إلى عناية خاصة، صحيَّة واجتماعيَّة، تجنبها صراع الحياة واللاحياة؛ أملاً في لحظة حياة.
بداية المرض
والدة جمانة، تروي تفاصيل مرض ابنتها، وتقول: وهي في بطني، وفي شهرها السابع؛ كنت أشعر بحركاتها الغريبة، خاصة في قدميها، وهي عبارة عن رعشة شديدة تضرب بطني، فسألت الطبيب المتابع لحملي؛ فأوضح لي أنَّها حركات طبيعيَّة لكن الغريب أنَّ هذه الرعشة استمرت حتى بعد الأربعين من ولادتها، ثم اختفت تماماً.
وبعد التطعيم الثلاثي، أي في شهرها الرابع، أصيبت بارتفاع في درجة حرارتها، وصفت بالطبيعيَّة، فأسعفتها بخافض حرارة، نامت بعدها، لكنَّها أصدرت صوتاً غريباً، وتغيرت حركتها وشكل عينيها، فسارعت بنقلها إلى أقرب مستوصف، تشخص حالتها بـ«تشنج حراري»، نتيجة ارتفاع درجة حرارتها، ونصح بنقلها إلى المستشفى وبعد نقلنا إياها، أوضح لنا الطبيب أنَّ التشنج نتج عن تحسسها من تطعيم السعال الديكي، بعد شهرها الرابع، ورغم تشنجها كانت جمانة طبيعيَّة، عدا تأخر حركتها كطفل طبيعي، لكن مراقبتي المستمرة لها؛ جعلتني أشكُّ في حالتها التي يمكن أن أقول إنَّها غير طبيعيَّة، فحدسي كأم يؤكد ذلك، وفعلاً أصيبت بالحرارة، لكن هذه المرة من دون تطعيم، فنقلتها على الفور إلى المستشفى؛ فخضعت لأشعة المخ ورنين مغناطيسي، فكانت النتيجة سلامة المخ من أي إصابة أو خلل وظيفي أو أي إعاقة.
فواصلت سعيي، وعرضتها لعدد من الأطباء، لكن من دون جدوى؛ حتى التقيت بالدكتورة مها عوض الله، استشاريَّة مخ وأعصاب أطفال، فشخصت حالة جمانة بأنَّها مصابة بتأخر في نمو العقل والإدراك، وتأخر في الكلام، وأنَّها دخلت في مرحلة حرجة بسبب عدم استجابتها لأي نوع من العلاج، فوصفت لنا أنواعاً أخرى من الأدوية، بعضها غير متوفر في المملكة؛ فطلبناه من أميركا، لكن التشنجات استمرت في تزايد، وكذلك مدة النوبة من 5 ـ 10 دقائق؛ فاقترحت علينا الدكتورة مها نقل جمانة إلى الخارج؛ لحداثة أجهزة التشخيص ودقتها.
رحلة العلاج
ويقول والد جمانة، الذي يعمل لدى شركة أرامكو: التأمين الطبي الذي أتمتع به وأسرتي ويكفل لنا العلاج في الخارج، أتاح لنا نقل جمانة للخارج، وبعد عرض حالتها على لجنة طبيَّة في الظهران؛ تمت الموافقة على سفرها لتلقي العلاج، وبالفعل تولى حالتها فريق طبي أميركي؛ فتابع حالتها بدقة من الناحية الجينيَّة الوراثيَّة والمخ والأعصاب، ثم مرحلة الفحوص، وأخذ أشعة مقطعيَّة للمخ وتخطيط استمر لثمانية أيام متواصلة لرصد التشنجات، وخلال هذه الأيام حدثت النوبة مرة واحدة فقط، وهنا كانت الصدمة وأكبر مفاجأة بعد تصوير حالة مخِّها وقت التشنج، وهي أنَّ مخ جمانة لا يحتوي على بؤرة واحدة فقط، وإنما عدة بؤر لا يمكن حصرها داخل المخ وخارجه، لا تظهر إلا وقت حالة الصرع، وهي أشبه بوميض ناري لا تلبث أن تختفي بعدها، ما يعني أنَّ التدخل الجراحي بات مستحيلاً، وتضاءلت فرصة إيجاد أي حل لمشكلة التشنجات، سواء الأدوية أو المهدئات.
وأضاف: بعد شهرين أخذوا عينة كبيرة من دم ابنتي؛ لإجراء بعض الفحوص، وهي عبارة عن أربعة تحاليل، فأخبرنا الدكتور المعالج أنَّ فرصتها للكلام قد تتضاءل بعد سن الخامسة عشرة، وبعد رجوعنا بشهر؛ ارتفعت حرارة جمانة؛ فنقلناها إلى المستشفى، وحجزت بالعناية المركزة لما يقارب خمسة عشر يوماً، إلى أن ذهبت الأعراض تلقائياً.
تعليم وادوية
حاولت والدة جمانة أن تلحق ابنتها في مدرسة «رسالة أمل»، فطالبوها بإجراء اختبار للذكاء لمعرفة حالتها، لكنَّها فشلت تماماً في الاختبار، بعدها حاولت تسجيلها في دروس التخاطب، لكنها لم تقدر على تكاليفها. إذ يصرف لجمانة مبلغ مالي من الشؤون الاجتماعيَّة، لكنَّه لا يكفي تكاليف أدويتها، إلى جانب مصاريف أخرى لايتمكن والدها من تغطيتها، وتتمنى والدة الطفلة جمانة أن تتوافر لابنتها ممرضة مرافقة تساعدهم على رعايتها، ومدرسة تتقبل حالتها لكي تكمل حياتها؛ حتى تراها طفلة كبقيَّة الأطفال، تحظى بحقها في التعليم وممارسة حياة طبيعيَّة.