شهر رمضان شهر الصيام والقرآن وشهر ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهو إكسير الإيمان والارتقاء الوجداني لكل مسلم، ولا يختلف في قدسيته وأهميته، وما يأخذ من اهتمام بالغ به وبمتطلباته، والأصل في هذا الشهر الفضيل أنه ترجمة سلوكية أخلاقية للمسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ومعاملاتهم، حيث يصبح هذا الشهر في الغالب الأعم رقيبا على سلوكياتهم، يخلق فيهم رقابة ذاتية طيلة الشهر تجعل الواحد يتوجس خيفة من الوقوع في المحظورات الشفهية والعملية، والأصل أن هذه الدروس ومن باب أولى أن لا تبقى مقتصرة على الشهر الفضيل، بل هو في الأساس دافعة للاستمرار والمشي على كل الأخلاق التي تم تفعيلها فيه، والمسلم في حياته ليس ملزما بالارتقاء قي معاملاته وسلوكياته في الشهر الفضيل فقط، بل الأولى أن تبقى هذه السلوكيات تنعكس عليه طيلة السنة، وخاصة المرتبطة بالمعاملات ورمضان هو المحطة الوحيدة التي تسمح من حيث المدة الزمنية الخاصة به أن يستفيد منها المسلم لترسيخ المقومات الثقافية والأخلاقية التي تستوطنه طيلة الشهر، ولا ينبغي أن ينظر له على أن كل القناعات السلوكية مرتبطة به خاصة، وعند انتهائه تنتهي معه الرقابة الذاتية، وينبغي أن تسري الروح الجماعية التي تكون متألقة فيه سائرة على طول السنة، فإذا كان رمضان يرفع التنابز بالألقاب ويسطر الصدق في التصرفات ويهذب الأخلاق من الأثرة إلى الإيثار ومن الكذب إلى الصدق ومن الغش إلى الصفاء، وكذلك عدم التلفظ البذيء والتحرش البليد وغيرها من التصرفات التي لا تمت بأي صلة للأخلاق الإسلامية، فإن هذه الأخلاق من المفروض أن تسري طيلة السنة، وتنعكس في كلياتها وجزئياتها على واقعنا المعيش.
ويعرف العالم الإسلامي والعربي خاصة مجموعة من الالتزامات الأخلاقية فقط في رمضان، وبمجرد خروج الشهر الفضيل تبدأ الانبعاثات اللاأخلاقية تطفو على سطح الأرض، وكأنك غيرت المجتمع برمته ، ذاك المجتمع الذي كان ملتزما طيلة نهار شهر رمضان بمجموعة من المبادئ، وتجدر الإشارة أن نقول نهار شهر رمضان دون ليله، بسبب أن الليل يعرف فتورا نوعيا في الآونة الأخيرة من حيث شيوع بعض الجوانب الغير المنضبطة مع الشهر الفضيل ، لذا تتجدد الرغبة في التأكيد على وجوب الاستفادة من الشهر الكريم طيلة السنة، وأن تبقى العوالم التي تم التشبث بها حاضرة تترجم عمليا في مراح الإنسان ومغذاه ومصبحه وممساه، وأن يخجل الواحد من تصرفاته كلما تغيرت لما هو سيء من خلال استحضار القيم التي كان ينتهجها في الشهر الكريم، وللأسف أنه وفي الغالب الأعم وبمجرد انتهاء رمضان تتجسد مظاهر سلوكية هي أبشع من سابقاتها، مما يعني أن رمضان لم يعد محطة إيمانية تفتح باب الاستمرارية والدوام، بقدر ما صار رمضان جزءا من الموروثات الثقافية الدينية في الغالب اللأعم.
بقلم الباحث الدكتور عبد الله أبو عوض من المغرب
دروس رمضان السنوية
- شباب وبنات
- سيدتي - نت
- 14 يونيو 2018