ما أسوأ أن يتحوَّل المريض إلى مجرَّد «زبون» يتم استنزاف أمواله، ويتلقَّفه الأطبَّاء «التُّجار» وفق «عمولة» متَّفق عليها بينهم، إذ يعاني الكثير من المرضى فوق أمراضهم من التِّجارة بآلامهم في بعض المستشفيات الأهليَّة في السعوديَّة، «سيِّدتي نت» رصدت قصص ضحايا دخلوا مستشفيات أهليَّة في الرياض أجبرت أطباءها على تحقيق «تارجت»؛ أي نسبة ماليَّة لا يقل عنها شهرياً، وله عليها عمولة!.
مي عبدالمنعم، وهي مهندسة استشاريَّة مقيمة في الرياض، تروي قصَّتها مع «تارجت» الأطبَّاء الشهريّ، قائلة: «دخلت مستشفى أهليّ في الرياض، وأنا في الشَّهر السَّابع للحمل، وأوهمتني الطَّبيبة أنني أحتاج للدُّخول الفوريّ إلى غرفة العمليَّات، وحين دخلت غرفة الولادة وخزت في ذراعي إبرة المحاليل، ولكنِّي سمعتها تتحدَّث إلى زميلتها بالإنجليزية قائلة لها: «كان من الممكن أن تلد في الشَّهر التَّاسع، لكنِّي سأولِّدها الآن؛ لتحقيق «التارجت»، وأستطيع الحصول على الموافقة بالإجازة قبل موعدها وخرجت من المستشفى، وأنا أردد كلّ عبارات الشتيمة».
سيِّدة الأعمال السعوديَّة باسمة محمد سعد الدين تعلِّق على «تارجت» الأطباء قائلة: «مع الأسف الشَّديد فقد تحوَّل المريض إلى «زبون» يتلقَّفه الأطبَّاء، ويحوِّلونه لبعضهم البعض بعمولة، ويقولون لبعضهم: «كم زبوناً كان لديكم اليوم؟ فأنا شخصياً حين أذهب إلى طبيب أعرف ما التَّحاليل التي من المفترض أن أجريها أو أنواع الأشعة، وأضيف ما يمكن إضافته للاطمئنان، أو أحذف ما يمكن حذفه».
جراحة لا داعي لها
قصَّة أخرى يرويها المحلل الرِّياضي في جريدة الجزيرة محمد الدعجاني حين أصابه مغص كلويّ، ولجأ إلى أقرب مستشفى أهليّ لمسكنه، حيث فحصه الطَّبيب، وأمر بإجراء أشعة عاديَّة، وأخرى مقطعيَّة، وثالثة تليفزيونيَّة، وتحاليل من كل الأنواع، وقال له: «الآن لابدَّ أن تدخل غرفة العمليَّات؛ لإجراء جراحة منظار، لسحب الحصوتين»، فردَّ عليه: «أعطني مسكّناً الآن». وبعد المسكِّن ذهب الدعجاني إلى مستشفى آخر، وهناك كانت المفاجأة حين قال له طبيب استشاري: «أنت لست بحاجة إلى كلِّ هذا، ولا تحتاج لأيّ جراحة، اشرب منقوع البقدونس لمدَّة أسبوع مع المشي بانتظام»، وبعد أسبوع شعر بالرَّاحة من دون إجراء الجراحة، فتأكَّد أنَّ الطَّبيب الأول ما كان يسعى إلا لتحقيق «التارجت» الشهريّ، وضمان نسبته الماليَّة.
النجيمي: «التارجت» يعدّ من الغش
يؤكِّد أستاذ الدِّراسات الشرعيَّة بكليَّة الملك فهد الأمنية، عضو مجمع البحوث الإسلاميَّة العالميّ، الدكتور محمد بن يحيى النجيمي، على أنَّ ما تقوم به المستشفيات الأهليَّة من ما يسمونه «تارجت» يعدّ من الغش، وطالب وزارة الصحَّة بضرورة المتابعة والتَّدقيق في هذا الأمر، وقال: «يجب أن تفرض عليه عقوبات ماليَّة قويَّة، والسّجن والجلد أيضاً؛ حتَّى يرتدعوا. فإذا أجريت للمريض عمليَّةً جراحيَّةً وهو لا يحتاجها وأدَّت إلى وفاته أرى أنَّ يؤدَّب من يفعل ذلك، إضافةً إلى غرامة القتل الخطأ".
ويعلق المستشار القانوني محمد السنيدي: «إذا تسبب طبيب يسعى للمال غير الحلال المعروف «بالتارجت» في وفاة المريض من دون توافر الركنين المادي والمعنوي فإنه لا يقتل تعزيراً إلا بتوافرهما؛ فالركن المادي هو إجراء العمل الطبي بدون ضوابط طبية صحيحة، وإن كانت غير صحيحة على الإطلاق بل تمت بغير تعمد منه وهو القتل، فهذا طالب للمال والاستغلال لا طالب للقتل. أما الركن المعنوي فهو نية الطبيب بفعله قتل المريض من خلال اختيار مواضع القتل في الإنسان، أو من خلال الأداة المستخدمة المؤدية للقتل، وهذا يعتبر قتلاً عمداً، ويقتل قصاصاً.
«الصحة» لم تتجاوب مع «سيدتي»
تواصلت «سيدتي» مع المكتب الإعلامي لوزارة الصحة؛ لمعرفة الآليات التي تتبعها الوزارة ضد المستشفيات الأهلية التي تجبر أطباءها على ما يعرف بالـ«تارجت»، واستغلال آلام المرضى، ولم تتجاوب الوزارة في الرد حتى مثول عدد «سيدتي» للطبع.
استشاري: «التارجت» قد يقترب من نصف مليون ريال شهرياً!
عن ضرورة تحقيق التارجت في المستشفيات الأهليَّة يقول استشاريّ المخ والأعصاب في أحد المستشفيات الأهليَّة، الذي رفض الكشف عن هويته الاستشاري عليه أن يحقق رقماً يقترب من نصف مليون ريال شهرياً، وكل قسم له «التارجت» الذي يناسبه، ومثال ذلك قسم الجراحة؛ حيث إنَّ إجراء الجراحات الدّقيقة يُدخل إلى المستشفى رقماً مالياً كبيراً، بينما هناك أقسام أخرى لا تدخل مثل هذه الأرقام، لكنّ المشكلة في من يحقق «التارجت» لكي تكون إدارة المستشفى راضيةً عنه. الأمر كلّه يعود إلى ضمير الطّبيب الذي يكون في أغلب الأحوال غير مطالب بتحقيق ما يسمى «التارجت» طالما لديه تبريره المنطقيّ».