في كل عام من شهر ذي الحجة، يقصد حجاج بيت الله الحرام المشاعر المقدسة؛ لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، فتتهيأ مكة المكرمة لاستقبال ضيوف الرحمن؛ حيث يقفون على جبل «عرفة» في التاسع من ذي الحجة، ثم يتوجهون إلى «مزدلفة»، بعد أن تغيب الشمس في اليوم ذاته، ويؤدون صلاة المغرب والعشاء فيها ويبيتون هناك حتى الفجر، وفي العاشر من ذي الحجة -اليوم الأول من عيد الأضحى- يتوجهون إلى «مِنى» ورمي الجمرات، وجميعنا يعرف المناسك ومشاعر الحج، ولكن قد يتساءل البعض عن سبب تسميتها، نتعرف إلى ذلك من خلال الآتي:
«عرفة» المشعر الحلال
الذي تقام عنده أهمّ مناسك الحج، فقال عليه الصلاة والسلام «الحج عرفة»، وتسمّى بوقفة عرفة، في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، وَتقع عرفة على الطَريق بين مكة والطائف شَرقيَّ مكة بنحو 22 كيلومتراً، وعلى بُعد 10 كيلومترات من منى و6 كيلومترات من مُزدلفة، وَيقرب طول عَرفة ميلين، وَعرضُها كذلك، وهي سَهل مُنبسط مُحاط بسلسلة من الجِبال على شكل قوس كَبير.
وقد اختلف العلماء في سبب تسمية جبل عرفة بهذا الاسم، حيث وردت عدّة أسباب لتسميته، وهي: أن آدم وحواء حينما أنزلهما الله من الجنة إلى الأرض، أنزلهما في مكانين مختلفين، فكان موقع جبل عرفات هو المكان الذي التقيا فيه، وتعارفا على بعضهما فيه.
والسبب الآخر يقول البعض، أن جبريل كان يُطَوِف إبراهيم عليه السلام ويعلمه المناسك والمشاهد، وكان يطوف به في الجبل، ويردد له قوله «أعرفت، أعرفت»، وكان يرد عليه بقوله «عرفت، عرفت».
وأيضا لأنّ الناس يجتمعون في يوم عرفة على صعيد الجبل، ويتعارفون على بعضهم البعض.
وقيل أنه سمي بذلك لأن الناس يعترفون فيه بذنوبهم، ويطلبون من الله أن يغفرها لهم، وأن يعفو عنهم.
وتسمى عرفة المشعر الحلال، لأن التعبد فيها خارج حدود الحرم، فعرفة ليست من الحرم، بل هي خارج حدود الحرم، وليس ثمة مكان يُقصد ويُتعبد بقصده في خارج حدود الحرم في الحج إلا عرفة، فإنه يقصدها الحجاج تعبدًا لله عز وجل، وهي خارج حدود الحرم.
مزدلفة المشعر الحرام
تقع بين مشعري منى وعرفات، ويبيت الحجاج بها بعد نفرتهم من عرفات، ثم يقيمون فيها صلاتي المغرب والعشاء جمعاً وقصراً ويجمعون فيها الحصى لرمي الجمرات بمنى، ويمكث فيها الحجاج حتى صباح اليوم التالي يوم عيد الأضحى ليفيضوا بعد ذلك إلى منى. والمبيت بمزدلفة واجب، من تركه فعليه دم.
وسميّت بذلك لأنّ الناس يقتربون فيها من مِنى، حيث يسمى هذا القرب ازدلافاً، وفي قول آخر أنّها سميّت بذلك لأنّ الحجاج يجتمعون في هذا الموضع في وقت الليل، إذ يسمى الاجتماع ليلاً بالازدلاف، أو لأنّ الحجاج يزدلفون إلى الله، أي يتقربون إليه من خلال وقوفهم في عرفة، وازدلافهم منها إلى منى، كما تسمى مزدلفة جمعاً، لأنه يتم فيها جمع النسك بين صلاتي المغرب، والعشاء.
أما تسميتها المشعر الحرام، فلأنها أول مكان يُتعبد فيه لله عز وجل بعد المجيء من عرفة، فسُميت مشعرًا حرامًا لأنها داخل حدود الحرم، قال تعالى « لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ».
«مِنى» مدينة الخيام البيضاء
مِنى "بكسر الميم وفتح النون" هي وادٍ تحيط به الجبال، تقع في شرق مكة، على الطريق بين مكة وجبل عرفة، وتبعد عن المسجد الحرام نحو 6 كم تقريباً. ويحدها من الشمال الغربي جمرة العقبة، ومن الجنوب الشرقي وادي محسر، ومن الشمال جبل القويس، ومن الجنوب جبل ثبير.
يقول المؤرخون إن تسمية (مِنى) أتت لما يراق فيها من الدماء المشروعة في الحج، وقيل لأن جبريل عليه السلام عندما أراد أن يفارق آدم عليه السلام قال له تمنَ! قال: أتمنى الجنة، ورأى آخرون أنها سميت بذلك لاجتماع الناس بها، والعرب تقول لكل مكان يجتمع فيه الناس مِنى، وذكر بعض المؤرخين أنه كان بمنى مسجد يعرف بمسجد الكبش.
وفي منى رمى إبراهيم عليه السلام الجمار، وذبح فدية لابنه إسماعيل عليه السلام.
وبمنى نزلت سورة النصر أثناء حجة الوداع للرسول صلى الله عليه وسلم، وبمنى تمت بيعة الأنصار المعروفة ببيعتي العقبة الأولى والثانية حيث بايعه عليه السلام في الأولى 12 شخصاً من أعيان قبيلتي الأوس والخزرج، فيما بايعه في الثانية 73 رجلاً وامرأتان من أهل المدينة وكانت قبل هجرته عليه أفضل الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة.