مثله مثل العديد من الأمراض النفسية الأخرى، يبدو أنّ هناك مجموعة من العوامل التي تتفاعل معًا، وتسبب الإصابة بمرض انفصام الشخصية (شيزوفرينيا).
اكتشفي أسباب المرض في الآتي:
ضعف الشخص أو قابليته للإصابة بالمرض تنتقل وراثيًّا. فأفراد العائلة التي يكون أحدهم مصابًا بمرض انفصام الشخصية، يكونون أكثر عرضة لمخاطر الإصابة بالمرض بحوالى 10 مرات مقارنة بالآخرين. غير أنّ العامل الوراثي لا يفسر كل شيء، حيث نجد أنه إذا كان أحد التوأمين في التوائم المتماثلة مصابًا بمرض انفصام الشخصية، فإنّ أقل من نصف الحالات فقط يصاب التوأم الثاني بهذا المرض.
كما وُجدت تشوهات في تشريح ووظائف الدماغ لدى الأشخاص المصابين بمرض انفصام الشخصية. وقد تكون هذه التشوهات نتيجة تعرّض الجنين لنوع من الالتهاب أثناء الحمل، أو بسبب التعقيدات التي نتجت عن تلف الدماغ للطفل المولود حديثًا أثناء وقت الولادة. كما توجد أشكال ذهانية لدى الأطفال، حيث يشتبه بعض العلماء أنه يمكن تحديد الإشارات التحذيرية للإصابة بمرض انفصام الشخصية منذ مرحلة الطفولة، وبالتالي قد يشير ذلك إلى وجود أساس أو أصل للمرض في السنوات الأولى من الحياة.
ويبدو من الصعب تحديد دور البيئة العائلية في تطور مرض انفصام الشخصية، ولكن طالما كان دورها هذا يأتي في المقدمة. وبالنسبة إلى أيّ طفل ضعيف بيولوجيًّا أمام الإصابة بمرض انفصام الشخصية، فإنّ الحرمان العاطفي أو الحماية القصوى الزائدة، قد تكون أحد العوامل التي تؤثّر في مراحل عمرية لاحقة، في ظهور أعراض المرض.
وأخيرًا، في مرحلة المراهقة، فإنّ الحاجة إلى تبنّي أنماط علاقات جديدة سريعًا (في ما يتعلق بالجنس، والحصول على بعض الاستقلال، والأهمية المتزايدة لنظرات الآخرين على سبيل المثال) تعمل على الكشف عن وظيفة الدماغ الشاذة التي لم تكن ظاهرة حتى ذلك الوقت.
كيف يتطور مرض انفصام الشخصية؟
العلامة الأولى لمرض انفصام الشخصية هي النفحة الوهمية، أو الذهان الوهمي، ولكن قد يظهر المرض أيضًا بشكل تدريجي خلال شهور عدة. وفي بعض الأحيان، وخصوصًا خلال أول عامين من المرض، قد يختفي انفصام الشخصية تلقائيًّا. ومع العلاج المناسب الذي يُعطى للمريض في وقت مبكّر مع أول ظهور للمرض، فإنّ مريضًا واحدًا من بين كل ثلاثة مرضى بانفصام الشخصية، يمكنه أن يعيش حياة طبيعية. ويستمر تأثير العلاج إلى سنوات عدة، وفي بعض الأحيان يمكن ملاحظة التحسن على المريض بعد سن الـ 40 عامًا، الأمر الذي يسمح بتقليل جرعات العلاج وربما الاستغناء عنه تدريجيًّا. ومن دون أيّ علاجات، فقد يتفاقم المرض في الغالب، حيث تتوالى النوبات الحادّة الواحدة تلو الأخرى، الأمر الذي يستدعي الإقامة في المستشفى على نحو أكثر، وتكون العواقب وخيمة. ويخاطر مرضى انفصام الشخصية من دون علاج، بحدوث المضاعفات والإدمان على المخدرات والكحول، والميول الانتحارية. وتشير الإحصاءات إلى أنّ مريضًا واحدًا من بين كل عشرة مرضى بانفصام الشخصية، يحاولون الانتحار مرة واحدة على الأقل خلال حياتهم.
من هم الأشخاص الذين يمكن أن يصابوا بمرض انفصام الشخصية؟
مرض انفصام الشخصية يصيب أقل من 1 في المئة من السكان. ويؤثّر المرض على جميع الثقافات وجميع الفئات الاجتماعية من دون تمييز. ويبدو أنّ النساء أقل تأثرًا أو عرضةً للإصابة به مقارنةً بالرجال، وغالبًا ما يبدأ المرض بالظهور بين نهاية فترة المراهقة وسن 30 عامًا. وتظهر الأعراض الأولى للمرض بشكل عام بوقت أبكر لدى الرجال (بين سن 16 إلى 25 عامًا) مقارنة بالنساء (بين سن 25 عامًا إلى 30 عامًا). كما يمكن أن تظهر هذه الأعراض الأولى للمرض لدى النساء، عند بدء مرحلة انقطاع الطمث.
الفصام أم الإدمان؟
عندما تظهر العلامات الأولى لمرض انفصام الشخصية لدى المراهق، عادةً ما يعزو الأهل ذلك إلى الإدمان. فاستخدام المخدرات (مثل الأمفيتامين والكوكايين والكحول والقنب) قد تعمل كمحفّز للكشف عن مرض انفصام الشخصية، ويمكن أن يسبب ذلك، الارتباكَ للوالدين.
كما يتفاقم مرض انفصام الشخصية ويزداد تعقيدًا مع الإدمان. إذ إنَّ تعاطي المخدرات وشرب الكحول، يفاقم أعراض المرض ويعزز ظهور الأوهام والتخيّلات، ويؤدي في بعض الأحيان إلى سلوكيات وأفعال عدوانية. وأكثر شكل من الإدمان شيوعًا لدى مرضى انفصام الشخصية هو التدخين، حيث يصل بين هؤلاء المرضى إلى أعلى من ثلاثة أضعاف مستوى التدخين من قبل السكان عمومًا.
كما أنَّ الإدمان بكل أشكاله يقلل فاعلية الأدوية المضادّة للذهان. وعلاوة على ذلك، فإنَّ تعاطي المخدرات أو الكحول يضرُّ بالعلاج المنتظم.
كيف يتم تشخيص مرض انفصام الشخصية؟
تختلف مظاهر وتجلّيات مرض انفصام الشخصية بدرجة كبيرة، وفقًا للأشخاص المصابين به. ولكي يقرر الطبيب أنّ التشخيص هو مرض انفصام الشخصية، يجب أن تبقى الأعراض مستمرة بطريقة شبه دائمة خلال فترة لا تقل عن 6 أشهر، مع تداعيات سلبية على الحياة العائلية، أو الاجتماعية، أو الدراسية، أو المهنية. ومن المهم عدم الأخذ بعين الاعتبار أو إزالة أية اضطرابات أخرى، قد تسبب ظهور ما يشبه أعراض انفصام الشخصية، مثل أورام الدماغ، واضطرابات الغدة الدرقية، والإدمان أو الصرَع.
وفي بعض الأحيان قد يؤدي سلوك المراهق إلى الشكوك بأنه مصاب بالفصام. فإذا انطوى على نفسه وتخلّى عن أنشطته الترفيهية، أو أصبح يواجه صعوبات جمّة في الدراسة الأكاديمية، وأصبح شغوفًا بالغيبيات أو علوم الغموض، أو يسلك سلوكًا غير منطقي وغريب، وأصبح عدوانيًّا أو لا يثق بأحد، أو لا يعود يغتسل أو يستحم، فمن الضروري عندئذ استشارة الطبيب.
في أغلب الأحيان تكون هذه السلوكيات ليست إلّا من أعراض مرحلة بلوغ صعبة على المراهق، ولكنها في بعض الأحيان قد تشير إلى الاكتئاب أو بداية مرض انفصام الشخصية، وهنا من المهم والضروري عدم إهمالها.