الزائر لمهرجان شتاء طنطورة في مدينة العلا، مدينة الجمال والآثار والحضارات المختلفة، ستلفته حتماً كمية الإرث الحضاري الذي تعاقب على هذه البقعة من الأرض، إذ أن موقع العلا ووفرة أمطارها ومائها جعلها موطناً لاستقرار العديد من الحضارات، إذ كان توفر الكلأ والماء هو العامل الأساسي لذلك.
استضافت سيدتي نت على هامش فعاليات مهرجان شتاء طنطورة، المهندس الجيولوجي ثامر سليمان الحربي المتخصص في الجيولوجيا العامة والثروة المعدنية والصخور، وأحد أبناء مدينة العلا، للحديث عن مدينة العلا بين الماضي والحاضر وعن أهم معالمها.
حضارات العلا قديماً
فيقول بداية: لقد مرت عدة حضارات قديمة على هذا المكان من مملكة ثمود ومعين وديدان ولحيان والأنباط، وقد استمرت مملكة ديدان من القرن السادس قبل الميلاد وانتهت في القرن الثالث قبل الميلاد، وظهرت سلالة حاكمة تسمى لحيان في سنة 400 قبل الميلاد. ويتابع الحربي فيقول: أما عن مدائن صالح التي تتميز بها العلا، فإنني أريد أن أورد بعض آثارها بشكل مختصر؛ لأنها مدينة قائمة بحد ذاتها، يتواجد داخلها معبد نبطي بعرض ١٠ أمتار وارتفاع ٨ أمتار مكشوف من الداخل ويسمى بـ(الديوان) يمين هذا الديوان يوجد خزانات مياه جوفية منحوتة في الصخور بشكل متقن وجميل ومبهر وهي مصائد للأمطار، فيها أيضاً القصر الفريد وهو عبارة عن صخرة مستقلة ومنفردة بذاتها، منحوتة ومنقوش في أعلى مدخل الصخرة كتابات نبطية ورسمة على هيئة نسر، ومن معالم مدائن صالح أيضاً «قصر البنت، قصر العجوز، قلعة الحجر الإسلامية، آبار نبطية»، ويضيف الحربي قائلاً: هناك أيضاً منطقة تسمى الخريبة وهي قريبة من العلا وتقع في الشرق وتتواجد فيها عدة مقابر منحوتة في الجبال تعود إلى معين وديدان ولحيان. ويوجد بها حوض مائي منحوت وهو عبارة عن صخرة منحوتة يطلق عليها أهل العلا «محلب الناقة» ومن المرجح بأنه أحد المعابد القديمة وداخله عدة نقوش وتوجد به مقابر الأسود المنحوتة فوق هذه القبور على شكل أسد، بالإضافة لجبل عكمة الذي يقع شمال العلا بمسافة ٢.٥ كيلو وهو عبارة عن جبل شاهق جميل يحتوي على نقوش كثيرة توضح الحياة الاقتصادية والدينية في ما مضى لحضارة لحيان ومعين ودادان، أما «المابيات» التي تقع جنوب غرب العلا على بعد ١٨ كيلو وهي مدينة قرح القديمة وكانت قد بنيت وأحيطت بسور يتواجد فيها بوابات وخزان مياه.
العلا الآن
ويعرفنا الحربي عن مدينة العلا في الوقت الحاضر فيقول: تقع شمال غرب المدينة المنورة، وتبعد عنها مسافة 300 كيلو متر تقريباً، وتعد صخورها تابعاً لمتكون الساق المقسم جيولوجياً لمتكونات المملكة وعمر صخوره الجيولوجية ٥٥٠ مليون سنة تقريباً، وعلى قمة بعض صخورها طفوح بازلتية من العصر الرباعي خرجت قبل ٢١ مليون سنة وعملت على تهيئته لحفظ مياه الأمطار وعدم تسريبه إلى جوف الأرض وهذا ما أدى إلى كثرة العيون في المنطقة، وذلك بأكثر من ٩٠ عيناً وقد نضب بعضها لقلة الأمطار ولا يزال بعضها يجري، وتشتهر العلا بالنخيل وأنواع ثمارها المختلفة وتتميز بالحمضيات والمنغا والكريب فروت وغيرها.
البلدة القديمة
ويتابع الحربي قائلاً: من أهم المعالم السياحية الموجودة للزيارة في العلا هي البلدة القديمة حيث يزيد عمرها عن ١٠٠٠ سنة إلى ٢٠٠٠ سنة، وهي بيوت طينية قديمة مبنية بتخطيط هندسي دقيق مرتفع عن الوادي يتواجد في محيط هذه البلدة جبل موسى بن نصير الذي يعلوه قلعة قديمة رممت حديثاً، وتوجد أيضاً في البلدة معلم أثري مهم وهو (الطنطورة للحساب الفلكي الدقيق من دخول المربعانية والزراعة وغيرها). ويتواجد أيضاً في البلدة القديمة مسجد العظام، ويرجع سبب تسميته نسبة إلى أن النبي مر بمدينة العلا أثناء ذهابه لغزوة تبوك وحدد حدود المسجد بالعظم والحجر. وكانت تتوسط البلدة القديمة عين «تدعل» الشهيرة إذ كانت مياهها تتفجر وهي قادمة من حرة عويرض، ولكنها توقفت من عام ١٤٠٢ تقريباً لأسباب عدة قد يكون أبرزها انهيار مصدر نبعها واختفائها تحت كومة الرمال فوقها، وتحتاج إلى دراسة لإمكانية عودتها بحول الله.
وأخيراً يقول الحربي: وتوجد عدة أماكن جميلة للزيارة بعد الأمطار، مثل روضة الهايس ومداخيل وشرعان وغيرها.