الجو حار. عبارة يمكن بها اختصار حالة الطقس في بلدان الخليج العربي بشكل عام، والتي قد تتعدى 50 درجة مئوية في كثير من الأحيان. وفي الحقيقة أنه كلما ارتفع مؤشر درجة الحرارة ارتفع عدد الذين يفقدون أعصابهم واتزانهم، وقدرتهم على الصبر والاحتمال، لاسيما أن هناك دراسات علمية تشير إلى وجود علاقة وثيقة بين ارتفاع درجة الحرارة وبين الاضطرابات التي تصيب مزاج الإنسان، فتجعله أكثر توتراً وأسرع انفعالاً، إلى درجة تؤثر في سلوكه وتصرفاته تجاه الآخرين.
«سيدتي» حققت مع فئات مختلفة من المجتمع السعودي حول التأثير السلبي لحرارة الصيف.
غالباً ما تكون حرارة الصيف سبب فقدان أعصاب الكثير من الناس، هذا ما يراه «علي الغزاوي»، مخرج ومؤلف، ويضيف «الغزواي»: «أنا أعاني من هذا الأمر، خاصة في مجال عملي كمخرج، حيث إننا نضطر أحياناً إلى إلغاء التصوير؛ بسبب الحر الشديد. تذكرت ذات مرة أني صورت تصويراً خارجياً لفيلم سينمائي بدرجة حرارة تصل إلى 45˚م، ولم يخرج الفيلم بالشكل المأمول؛ بسبب أن الحرارة كانت تفقدنا التركيز والإحساس الحقيقي».
توتر واستفزاز في الطرق
حرارة الجو تؤثر في سلوكيات الناس وصحتهم أيضاً، وتجعلهم أسرع انفعالاً. هذا ما تؤكده «حلا فلاتة»، طالبة دراسات إسلامية في جامعة «أم القرى».
ويؤكد «حمد شافي الدوسري»، مرشد طلابي وشاعر، بأن أكثر المواقف توتراً واستفزازاً في الطرق سببها ارتفاع درجة الحرارة. يقول «الدوسري»: «يكون السائق تحت درجة حرارة تقارب الـ50 درجة، ومطلوب منه في الوقت نفسه إنهاء أموره الخاصة وسط ازدحام السيارات، وهنا تحصل بعض المواقف اللاإرادية بين قائديها، وهذا يؤكد على أن الأجواء لها تأثير نفسي كبير على الشخص بلا شك».
الشتم لأتفه الأسباب
ترى «أريج حسن»، محررة صحافية، أن حرارة الصيف تفقد الكثير من الناس أعصابهم إذا تعرضوا لها عند خروجهم من المنزل، ومواجهة درجة الحرارة المرتفعة، فيبدأ بالشتم لأتفه الأسباب، وتجعله يتعجل في كثير من الأمور، حتى الأشخاص المعروفون بهدوئهم وصبرهم طيلة العام.. تجدهم فقدوا رزانتهم في ذروة فصل الصيف وآخره.
لا يعتقد «أحمد العبدالله»، شاعر غنائي، أن أخلاق الشخص ممكن أن تغيرها الظروف الطبيعية، بينما لو فكر الشخص بعقله بشكل صحيح. ووضع في ذهنه أن فصل الصيف قادم بكل الأحوال -رضينا أم أبينا- لتفادى حدوث هذه المشاكل التي يتصنعها البعض.
ويضيف «العبدالله» قائلاً: «إذا نظرنا إلى الأشخاص الذين يشتكون من فصل الصيف وتوتر الأعصاب نجدهم بنفس العصبية طيلة الوقت، ولكنهم دائماً يتهربون من الحقيقة بوضع الأعذار».
شجار عائلي وطلاق
يبدو أن الطلاق ربط بشكل أو بآخر بحرارة الصيف نسبياً، حيث أظهرت دراسة علمية عربية أجريت على 1700 أسرة مطلقة أن 65 % من حالات الطلاق وقعت في فترة الصيف في الدول العربية!
وأكدت الدراسة أن الأسباب الرئيسة وراء الخلافات الزوجية، والتي تعدّ أن حرارة الصيف تدعو لفوران الدم وانفلات الأعصاب على أتفه الأسباب. وبعض الأزواج يرون أن فترة الصيف فرصة سانحة للسياحة الخاصة والحرية الشخصية بعيداً عن الأسرة. فتكون الخلافات أكبر، أيضاً كثرة المناسبات الاجتماعية التي تتطلب تجهيزات ومجاملات في بعض الأحيان تكون مرهقة لميزانية الأسرة فتحدث المشاكل، أيضاً السفر لأهل الزوجين والاجتماع الدوري معهم في فترة الصيف يحدث أحياناً شرخاً في العلاقة.
في هذا السياق يقول الاستشاري الأسري وعضو برنامج الأمان الأسري الوطني «عبد الرحمن القراش»: «توجد عدة عوامل تحدث في فصل الصيف تحديداً منها: اعتياد الكثير من الأسر على تأجيل جميع مشاريعها العائلية إلى الإجازة الصيفية؛ لكونها وقت اجتماع الأصدقاء والأقارب، وأغلبية الموظفين والموظفات في إجازة، وكثرة المناسبات، وظهور الموضة بالشكل الكبير المخيف، والزحام الهائل في المناسبات، وازدياد الحروب. وأشار إلى أن فترة الصيف ساخنة من ناحيتين. الأولى: الأجواء الملتهبة بالحر. الثانية: الغضب الناتج عن عدم ضبط النفس أو تقدير المسؤولية».
وسبق وأن نشرت دراسات تربط بين فصل الصيف وارتفاع معدلات الطلاق، فوجد أن هذه المعدلات تفوق مثيلاتها في بقية فصول العام. على الرغم من أن أشهر الصيف نفسها تشهد أكبر معدلات زواج خلال العام أيضاً.
الرأي النفسي
يرى الأخصائي النفسي بوزارة الشؤون الاجتماعية بدار الملاحظة بجدة «مشعل حمود القرشي»، أنه على الرغم من أنه لا توجد أرقام رسمية وإحصاءات وثيقة حتى تتم دراستها عن قرب... إلا أنه يعتقد أن السبب الرئيس وراء ذلك عائد إلى الأحوال الجوية، التي توثر بشكل سلبي على نفسية الأشخاص، فالجو المتقلب الحار والرطب يؤدي إلى توتر الجهاز العصبي؛ ما ينعكس على المزاج عموماً ونصبح أكثر حساسية، وقد نستثار لتوافه الأمور، فتزيد الخلافات الزوجية؛ وقد تنتهي بعضها بالطلاق.
نصائح لحياة أفضل في الطقس الحار.
ينصح «القرشي» المجتمع في فترة الطقس الحار بالعمل على ما يأتي:
- محاولة عدم الخوض في نقاشات يكون واضحاً منذ البداية أنها ستؤدي إلى تصادم بين أطرافها.
- تقسيم المهام حسب أجواء اليوم، فتترك المهام التي تحتاج للكثير من الجهد والتركيز للأوقات التي يكون فيها أقل حرارة.
- التهوية الجيدة للمكتب والمنزل مع مراعاة تكييفه بشكل يتواءم مع حرارة الأجواء.
- الترويح عن النفس، ومقاومة حرارة الجو وتأثيره السلبي على النفسية بزيارة الأماكن ذات الأجواء المعتدلة قدر الاستطاعة.