هو جارنا منذ القِدم، رفيق سهراتنا وليالي الحب، الصورة التي لا تُملّ في القصائد، واللون الذي لا تتعب منه ريشة الرسّام. دليلنا في الصحارى وونيسنا في العزلة. ولأنه جامع المتناقضات والشاغل لنا منذ بدء الخليقة، فهو أيضاً صورة الرعب والخوف، كاتب الأساطير التي لا تنتهي، والمعتقدات التي حُفرت في تاريخ البشرية. هو حقيقة ووهم، اسطورة وعلم، صاحب الوجوه الكثيرة، والحكايا التي لا تموت.. أنه رفيقنا القـمـر.
ومنذ القِدم أيضاً، حمل القمر في وجوه الثلاث وما بينها "الهلال والبدر والمُحاق"، قصصاً عديدة. ولكن من بين وجوه القمر الكثيرة، يظل "البـدر"، أبرز هذه الوجوه، فهو طور الاكتمال الذي يتشكل عندما يكون كل من القمر والأرض والشمس، على خط واحد وبزاوية 180 درجة بالضبط. وما انفك البدر يثير لدينا الأسئلة. وطوال تاريخ البشرية، ارتبط البدر تحديداً بالكثير من المعتقدات والأساطير، حتى أن دراسات علمية ربطت بينه وبين حياتنا نحن بنو البشر على الأرض. وإليكم تالياً، أبرز المعتقدات والحكايا القديمة التي ارتبطت بـ"اكتمال القمر".
مدّ وجزر في أجسادنا..
دراسات عديدة ظهرت خلال حقب زمنية مختلفة، تحاول الربط بين ظاهرتي المدّ والجزر، وبين جسد الإنسان. معتمدين على تأثير القمر على المياه تحديداً في البحار والمحيطات، وبما أن أجسادنا تتشكل من ما يقارب الـ 80% من الماء، اعتقد العديد من الباحثين أن القمر يؤثر فيها، من خلال اختلال توازن مشاعرنا واختلافها في ليلة اكتماله.
حقيقة..
يقول العلم، أن هذا الإعتقاد ليس وارد، وذلك لأن الحقيقة العلمية تؤكد أن "تأثير الجاذبية يقل بازدياد المسافة بين الجسمين، ولكنه لا يختفي أبداً", ولكون المد والجزر ظاهرتين مرتبطتين بالجاذبية، فإنه وفقاً لحسابات الباحثين، فإن سيدة تحمل طفلها، ستقوم بتوليد قوة جذب عليه أكثر بـ 12 مليون مرة تقريباً، من تأثير القمر عليه، وذلك لأنها أقرب.
الزراعة وقوى القمر الخارقة..
قديماً، عندما كان العلم بسيطاً وغريباً، ولم يصل بعد إلى التطور الذي هو فيه الآن، كان أجدادنا يحاولون تفسير أي ظاهرة كبيرة من خلال سرد القصص الخيالية حولها، فهم لا يعرفون أن المدّ والجزر مثلاً، يحدثان بتأثير جاذبية القمر، لذلك كانوا يفسرون الأمر بأن هناك "قوى خارقة" هي من تتحكم في هذه الظواهر. وهكذا ظهرت الأساطير القديمة. لكنهم في الوقت نفسه، كانوا أذكياء إلى الدرجة التي لاحظوا فيها أن هناك تأثير معين لكل فترة زمنية من الشهر، وربطها بالطور الذي وصل له القمر, فعرفوا أن عليهم زراعة محاصيل معينة عندما يكون القمر هلالاً، ومحاصيل أخرى عندما يكون بدراً.
حينها –ولأنهم لا يملكون تفسيراً علمياً واضحاً- ألّفوا الأساطير والحكايا حول قوة القمر الذي يسيطر على الزراعة، وجسّدوا شخصيات خيالية جبّارة يرسلها القمر حتى تتحكم بهذا الأمر. وظلوا مؤمنين بهذه الأساطير إلى أوقات قريبة جداً، حتى أن بعض كبار السنّ – رغم تطور العلم – لا يزالون مؤمنين بها.
الأسطورة الأشهر.. البدر يصيبنا بالجنون
لطالما سرد الناس حكايا مخيفة ومرعبة عن ليلة اكتمال القمر، وربما من أشهرها أنه في تلك الليلة، يصيب الجنون الكثير من الأشخاص، حيث شاع اعتقاد لحقب زمنية عديدة، أنه في تلك الليلة تؤثر "قوى غامضة وخارقة" على البشر، وتجعلهم يقومون بأشياء جنونية وعنيفة. مثل الإنتحار، والقتل، والمشاجرات الدموية التي لا تنتهي، والإعتداء بدون أي سبب. حتى الحيوانات تصبح مفترسة وأكثر شراسة ليلتها.
حتى أن إحدى الدراسات الإستقصائية، التي قام بها باحثون في كندا، استعرضت سجلات ما يقارب الـ 850 حالة ما بين الأعوام 1999 و2003، أفادت بأنه عند تحول القمر إلى بدر، فإن نوبات الصرع والجنون تملأ غرف الطوارئ في المسشفيات. وخلال العام 2007 في المملكة المتحدة، أشارت دراسة إلى أن العديد من مراكز الشرطة واجهت ارتفاعاً ملحوظاً غريباً في معدلات الجريمة في تلك الليلة.
حقيقية..
بحسب موقع "أراجيك"، فإن دراسة نُشرت خلال العام 2004 في مجلة "أبالابسي أند بيهفيور Epilepsy & Behavior"، أو "الصرع والسلوك"، أكدت أنه لا توجد أي علاقة بين نوبات الصرع واكتمال القمر، على الرغم من أن بعض المرضى، اعتقدوا أن القمر المكتمل هو السبب فيما يصيبهم. وأن بعضهم أرجع الأمر إلى السحر والقوى الخارقة. وأشار الباحثون في هذه الدراسة، إلى أن البشر يحاولون أحياناً أن يجدوا تفسيرات اسطورية لما لا يستطيعون فهمه.
وفي دراسة أخرى، أجرتها عيادة "مايو كلينيك Mayo Clinic"، خلال العام 2005، أثبتت أنه ليس هنالك أي اختلافات أو أمور غير طبيعية في أعداد المرضى الذين دخلوا قسم الطوارئ في عيادات الطب النفسي، ما بين الساعة 6:00 مساءً، والساعة 6:00 صباحاً خلال عدة سنوات مضت، في ليلة اكتمال القمر الليالي التي قبلها وبعدها، بالمقارنة مع الليالي الأخرى. وغيرها الكثير من الدراسات الموثوفة علمياً، التي درست ارتباط اكتمال القمر بهذه الحالات أو بالجنون كما يُشاع.
المستذئبون.. عواء على القمر المكتمل
منذ الأزل، حرّكت مخيلة الإنسان قريحته حتى يؤلف ويبتكر العديد من الشخصيات الأسطورية الخارقة. ولارتباطنا الوثيق بالقمر، وتحديداً بليلة اكتماله بدراً، فقد كانت هذه الليلة وهذا الحدث، مادة دسمة لهذا الخيال، الذي أبتكر وخلق العديد من هذه الشخصيات. ولكن تظل شخصية "المستذئب"، هي أشهر وأبرز ما ابتكرته مخيلة البشر. وهو ذلك الإنسان الذي يتحول ليلاً عند اكتمال القمر إلى مخلوق يشبه الذئب الضخم والمفترس، الذي يجوب الأزقة والشوارع بحثاً عن ضحاياه حتى يأكلها. وفي النهار يعود إنساناً بشرياً.
والمستذئب، هو شخصية أسطورية يعتقد المؤرخون أنها ظهرت قبل الميلاد بآلاف السنين على يد الإغريق/اليونانيين القدامى. وانتشرت بعد ذلك لتملأ قصص الشعوب في كل مكان، فهي موجودة في الحضارة الصينية والهندية، ناهيك عن التاريخ الأوروبي الذي يبدي اهتماماً واسعاً لهذه الشخصية.
إليكم أبرز الأساطير والحقائق عن ليلة "اكتمال القمر"
- أخبار
- سيدتي - محمد المعايطة
- 03 أبريل 2019