نعم.. بحزن وقبضة بالقلب، يودع الصائمون شهر الخير والبركات.. حيث تؤذِن أيام رمضان بالرحيل.. «مضى كلمح البصر» هكذا يقولون، لتبقى بالنفس لوعة وحيرة عمّن هو الفائز ومن هو الخاسر.. وكلنا يدعو «اللهم تقبل».. «سيدتي» اصطحبت مصورها عبد الله السويسي؛ لمشاركة المودعين فرحة مشاهدة ومعايشة طقوس الوداع، وملامحها الجميلة بحي الحسين الشعبي، المُحمل بعبق التاريخ.
- نراهم يودعون ليالي رمضان بحزن، ويستقبلون العيد بالبهجة والحبور، وخير ما يتجلى هذا المشهد بحي الحسين وشارع المعز والموسكي وخان الخليلي، تلك الأحياء الشعبية التي نشتمّ بين جنباتها عبق التاريخ، وكأن الشهر لن يمضي بدون توديعه.
- حي الحسين من الأحياء العريقة التي ترتفع فيها المآذن التاريخية، ويوجد العديد من المعالم الأثرية الإسلامية القديمة والفاطمية، مثل «مسجد الحسين، منطقة خان الخليلي، الجامع الأزهر»، والمصريون والعرب والأجانب يحرصون على زيارته، وتوديع الشهر وسط ساحاته، في ليلة تمتد حتى مطلع الفجر.. وكنا بصحبتهم!
- في حين يمتلئ الحي صباح يوم الوداع بالعابرين، المصلين، الناسكين، والصائمين.. يجيئون ويذهبون وسط كلمات تتطاير هنا وهناك بكل لغات الأرض، من مختلف الجنسيات، يصاحبهم طرق للأواني النحاسية والفضية، بأيدي حرفيين عاشقين للحي والتاريخ ولمهنتهم.. نجد الأمر يختلف بعد ذلك.
- الجميع يودع الشهر، داعين الله أن يتقبل صيامهم وقيامهم، وبأغانٍ وأهازيج شعبية محلية «والله لسه بدري بدري يا شهر الصيام، أو لا إله إلا الله، يا حي يا قيوم»، وكأن عصر الحداثة لم يدخل عليهم، مع فرق شعبية، لتصبح الصورة كرنفالية جميلة، مع شوارع وبيوت وأزقة وحارات مزينة بالورق الملون اللامع، وتُنار الفوانيس، وتعد الولائم.
- يكثر عدد موائد الرحمن في هذا الشهر، وكأن الصائمين يأخذون زادهم الأخير منه، موائد يقيمها الأغنياء لإفطار الصائمين من مختلف الشوارع وجميع المحافظات؛ لتمثل في النهاية صورة للتكافل والتضامن الاجتماعي.
- يذكر التاريخ أن الفكرة ترجع إلى أحمد بن طولون، مؤسس الدولة الطولونية، حيث كان من قبل يعد وليمة كبيرة للتجار والأعيان، ثم أخذها عادة، وضم إليها كل محتاج فقير أو عابر سبيل، ومن بعده حذا التجار والأعيان والحكام وكبار رجال الدولة حذوه في عهد الفاطميين؛ حيث وضع تقليد الإكثار من المآدب الخيرة.
- وها نحن نشاهد تجمعات بشرية تجلس بجانب بعضها بعضًا للإفطار والسحور معًا، يجمعهم الحب والودّ، وتحيطهم جدران شاهدة على حكايات يرويها التاريخ، ومن بعده الأجيال المتعاقبة داخل حي الحسين.
- الشهر قارب على الوداع، والحزن يصيب القلب، لكن البهجة تتسلل، وهم ناظرون العيد بفرحته.. لتمتزج كل هذه المشاعر في سهرة رمضانية بحي الحسين، تبدأ قبل أذان المغرب، وتستمر حتى أذان الفجر، فالصلاة، وتكبيرات العيد.