مما لا شكّ فيه، أن الثورة التي حصلت في عصرنا الحديث في التكنولوجيا والاتصالات، كانت «سلاحاً ذا حدّين»، فبرغم أنها حوّلت العالم بشكل حقيقي إلى «قرية صغيرة»، إلا أنه كان لها تأثير سلبي للغاية على حياتنا.. لاسيّما الاجتماعية والأسرية. ومنذ ظهورها لم تتوقف الدراسات العلمية التي تبحث في وسائل «التواصل الاجتماعي» وتأثيرها على الأسرة.. والذي منها ما قد يكون «قـاتـلاً» للمراهقين.
الأسرة.. فريسة «التواصل الاجتماعي»
وحسب ما نشرته منصة «موضوع»، فقد أشارت دراسة لمركز «بيو» الأمريكي للدّراسات العالميّة، إلى أنه رغم إيجابيات التواصل الاجتماعي، فيما يخص الحياة الأسرية كتعزيز التواصل بين أفراد العائلة المتواجدين في أماكن متباعدة، أو تسهيل التواصل بين الآباء والأطفال في حالات استثنائية كـ«الطلاق» مثلاً، إلا أن هذه المواقع لا تزال تحتوي على العديد من السلبيات القاتلة، التي تؤثر على حياة العائلة، لاسيّما الأطفال على وجه الخصوص.
العنف والسلوك العدواني..
وأكدت الدراسات المختصة بهذا الشأن، أنه من الممكن لهذه المواقع أن تزرع مشاعر الخوف والسلوكيات العدوانية في نفوس الأطفال، وذلك من خلال مشاهد العنف التي تعرضها الكثير من صفحاتها، إضافة إلى تقبّل الأطفال والمراهقين تجربة السجائر والمخدرات والكحول؛ لأن بعض هذه الصفحات تنشرها بصفتها «أموراً عادية» لا مشاكل فيها.
ومن جهة أخرى، فإن قضاء الكثير من الوقت في تصفح هذه المواقع، يؤدي إلى «إدمان الإنترنت»، الذي يؤدي بدوره إلى مشاكل عديدة، من بينها تفسخ العلاقات العائلية بين أفراد الأسرة الواحدة، وقطع التواصل فيما بينهم، ناهيك عن إمكانية حدوث تفكك أسري كبير؛ بسبب انغماس كل فرد بشأنه وصفحاته الخاصة التي قد لا يعلم بها الآباء.
تسبب اعتلالاً نفسياً «قــاتـلاً» للمراهقين..
من بين أخطر التأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي، ما كشفته دراسة حديثة؛ أجراها باحثون في جامعة «مونتريال» الكندية، اعتمدت على متابعة عدد من الشُبّان والفتيات في سنّ المراهقة طوال فترة الدراسة الثانوية، ولاحظ الباحثون أن بعض مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج التلفزيونية، قد تضع هؤلاء الفتية والفتيات بدوامات لا تنتهي من الاكتئاب والوعي الذاتي، بحسب «روسيا اليوم».
وأشارت الدراسة الحديثة إلى أن ما نسبته 20% من المراهقين، عانوا من فترة اكتئاب واحدة على الأقل خلال بلوغهم سنّ الرشد. والنتائج الصادمة أن معدلات الإصابة بحالات الاكتئاب ازدادت بشكل كبير بالأعوام الماضية. ووفقاً للإحصائيات الرسمية الأخيرة في كندا، فإن مراهقاً واحداً على الأقل يُقدم على «الانتحار»؛ بسبب الاكتئاب كل 100 دقيقة.
الدراسة التي نُشرت مؤخراً في موقع «جاما بيدياتركس»، شملت عينة من 4 آلاف مراهق، أعمارهم ما بين 12 و16 عاماً، على مدى 4 سنوات من دراستهم الثانوية، وأكدت أنه عندما اعترف المراهقون بازدياد استخدامهم للتواصل الاجتماعي ومتابعة البرامج التلفزيونية، رافق هذا الأمر ازدياد طردي؛ بظهور علامات الاكتئاب في العام نفسه. وأنهم كانوا يزيدون من استخدام هذه المواقع عاماً بعد عام بشكل مستمر، ما كان يعمل على زيادة أعراض الاكتئاب أيضاً.
هذا ما توصل إليه الباحثون..
بعد دراسة كل هذه المعطيات، توصل الباحثون في جامعة «مونتريال» إلى أن زيادة أعراض الاكتئاب عند المراهقين، والتي تؤدي بهم لـ«الانتحار» ببعض الأحيان، سببها أنهم يقومون بمقارنة أنفسهم وحياتهم مع أشخاص آخرين من أعمارهم، ممن هم أكثر رفاهية مثلاً، ما يسبب شعوراً بعدم الثقة بالنفس وتقدير الذات لديهم، وأن مواصلة متابعة هذه الصفحات يعزز الحالة النفسية السلبية ويزيد منها كثيراً.
اضطرابات اجتماعية وصحية
وفي دراسة، أجراها موقع «بي بي سي فيوتشر» البريطاني، شملت مراجعات لعدد من الدراسات العلمية التي نُشرت بأوقات مختلفة، حول تأثير مواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام على الأفراد والأسرة، أشارت دراسة أخرى، أجراها مركز «بيو»، خلال العام 2015، إلى أن مواقع «التواصل الاجتماعي» تسبب حالة كبيرة من التوتر. وبيّنت التجربة، التي أجريت على 1800 شخص، أن النساء أكثر تأثراً بهذا الأمر من الرجال. كما كشف الباحثون أيضاً أن الهواتف المحمولة تؤثر على التواصل الحقيقي بين الناس «وجهاً لوجه»، وكذلك الأمر فيما يخص أفراد العائلة الواحدة.
على جانب آخر، ذكر تقرير الـ«بي بي سي فيوتشر» أن دراسة نمساوية أجريت خلال العام 2014، أكدت أن «التواصل الاجتماعي» تُسبب تراجعاً كبيراً في الحالة المزاجية، وتحديداً موقع الـ«فيسبوك»، كما أن هذه المواقع تثير الشعور بالقلق والاضطراب وعدم الشعور بالراحة، إضافة إلى مشكلات النوم، وعدم التركيز.