يشبه منزلُ المهندسةِ تيسا السخي المعاولي، الكائنُ في بيروت، العاصمة اللبنانيَّة، «صندوقَ الفرجة»، فهو غنيٌّ بالمحتوياتِ والمقتنياتِ التي تأسرُ العين. تحت سقفه، تكثرُ الحكاياتُ عن علاقاتِ المالكةِ بأشيائها، وكيف تراها، وتشعرُ بها، وتُختَصرُ هذه الحكاياتُ بأن للأماكنِ روحاً.
في منطقةِ وادي أبو جميل، وسطَ بيروت، وفي جغرافيا، تكثرُ فيها الأبراجُ، والعماراتُ الفخمة، وحواجزُ الأمن، يُفاجئ البناءُ الذي يقعُ فيه منزلُ المهندسةِ تيسا السخي المعاولي الناظرَ، فهو قليلُ الطبقاتِ، ومُرمَّمٌ بصورةٍ، تحافظُ على خصائصِ العماراتِ القديمة. زقزقةُ العصافيرِ في المكان، والبوابةُ الحديديَّة المفتوحة، ترحِّبان بالزائر.
عامَ 2014، تملَّكت المهندسةُ المنزل، وقامت بأعمالٍ كثيرةٍ فيه حتى يشبهها، وهي من جذورٍ لبنانيَّةٍ لناحيةِ والدها، وسوريَّةٍ وبولنديَّةٍ لناحية والدتها المولودةِ في وارسو. لطالما كان يشدُّها منزلُ العائلةِ المليءُ بالتحفِ، والأشياءِ المثيرةِ للانتباه. صغيرةٌ، كانت تيسا وشقيقتها، ترجعان من المدرسةِ إلى مكتبِ والديهما المشترك، اللذين كانا يعملان في الهندسةِ الداخليَّة. في ذلك الوقت، كانت النماذجُ تُعدُّ عبر رسومٍ يدويَّةٍ، والمكانُ مليءٌ بعيِّناتِ الموادِّ، والأقمشةِ، والألوان. كان لمسُ هذه الأشياءِ وسيلةً، تُدخلها عالمَ التصميم، وتؤثِّرُ فيها كثيراً.
درست هندسةَ العمارةِ في لبنان، وتعملُ راهناً، وتقيمُ بين بيروت والبندقيَّة في إيطاليا. «حشريَّة» المهندسة، تقودها للسفرِ مع حقيبةِ ظهرٍ إلى أماكنَ بعيدةٍ للتعرُّفِ على الثقافاتِ المختلفةِ من خلال المجتمعاتِ المحليَّة، لا سيما الحِرفيون.
تصوير : فاتشيه أباكليان Vatche Abaklian
10 غرفٍ
يضمُّ المنزلُ عشرَ غرفٍ لكلٍّ منها «شخصيَّةٌ» خاصَّةٌ، إن صحَّ القول، ومحتوياتٌ بالجملة، فالمالكةُ تجمعُ أشياءَ كثيرةً، منها الكتبُ، والعصي، واللوحاتُ، والصورُ الفوتوغرافيَّة، والأيقوناتُ، والليموج، والعطور. تقولُ: «لست جامعةً تقليديَّةً، إذ يهدفُ الجامعُ إلى اقتناءِ أي شيءٍ، والاحتفاظِ به حتى ارتفاعِ قيمته لبيعه، وتحقيقِ ربحٍ مادي. أمَّا في حالتي، فإني أشتري الأشياءَ بناءً على إعجابي بها، ولا أفكِّرُ أبداً في إعادةِ بيعها».
إلى يسارِ مدخلِ المنزل، تقعُ منطقةُ الاستقبالِ المفتوحة التي تتفرَّعُ منها غرفٌ عدة مثل غرفةِ البيانو، وغرفةِ المدفأة، وغرفةِ الطعامِ والمطبخ، وغرفةِ الفطور، وإلى اليمين هناك حمَّامُ الضيوف، والمكتبُ، وغرفةُ نومٍ خاصَّةٌ بالمالكة وملحقاتها، وغرفةٌ للضيوف، وخزانةُ ملابس.
الجامعُ بين المساحاتِ الداخليَّة، هو الأسقفُ المرتفعةُ حتى خمسة أمتارٍ، والأبوابُ الطويلةُ المنقوشة، وحضورُ المشربياتِ على النوافذِ، والقناطرُ، والعوارضُ الخشبيَّة في غرفةِ الطعام، إضافةً إلى التسهيلاتِ الجديدةِ العائدةِ إلى تكييفِ الهواء، والإضاءةِ المباشرةِ وغير المباشرةِ التي اشتغلت المهندسةُ عليها حتى تُعبِّر عن «مزاجٍ» مختلفٍ في كلِّ مرَّةٍ داخل الغرف.
طلاءُ الجدرانِ في منطقةِ الاستقبالِ أبيضُ، لكنْ في الغرفِ الأخرى، تبدو الألوانُ جريئةً، منها أحمرُ الدمِ في منطقةِ الفطور، والأخضرُ العشبي في المطبخ، والبنفسجي في غرفةِ الطعام، والكحلي في غرفةِ التلفزيون.
لمتابعة النسخة الرقمية من سيدتي، اضغط هنا
مقتنيات مثيرة للاهتمام
في المنزل محتوياتٌ أكثر من أن تُحصر، وتنتمي إلى ثقافاتٍ عدة، مع مزجٍ واضحٍ بين القديمِ والجديدِ.. عن المحتوياتِ، والفلسفةِ في التصميم، تسألُ «سيدتي» المهندسةَ تيسا السخي المعاولي.
ما علاقتكِ بالمباني التراثيَّة، خاصَّةً أننا نجدُ في منزلكِ تلميحاتٍ عدة للبيوتِ اللبنانيَّة التقليديَّة؟
أحبُّ المباني التراثيَّة، لكنها تُهدَمُ في لبنان، مع الأسفِ، لغرضِ إعلاءِ الأبراجِ المكتبيَّة والسكنيَّة! منذ أيامِ الدراسةِ في الجامعة، وأنا أبحثُ في طرقٍ، تسمحُ بدمجِ طريقةِ الحياة المعاصرةِ بالمبنى التراثي اللبناني، دون نسخِ الأسلوبِ الأوروبي، بل من خلال احترامِ تاريخنا. بحثت كثيراً حتى حظيتُ بهذا المنزلِ الذي يمتلكُ كلَّ مميِّزاتِ العمارةِ اللبنانيَّة، في المشربياتِ، وموادِّ التصميمِ، وضوءِ الشمسِ الذي يغمرُ المكان. هذا المنزلُ الأوَّلُ الذي أتملَّكه، لذا وضعتُ جوارحي وقلبي في تصميمه، وشعرتُ بالمكان قبل إعادةِ الاشتغالِ عليه، ليُعبِّر عني.
حدِّثينا عن الروابطِ بينكِ وبين أشيائكِ؟
تمتلكُ الأشياءُ تأثيراتٍ فينا. هي تعيشُ معنا، فنرتبطُ بها، لتتولَّد نتيجةً لذلك قصصٌ بيننا وبينها، كما تشيخُ هذه الأشياءُ، على غرارنا، عاماً بعد عامٍ. تُعبّر المقتنياتُ في منزلي عن ثقافاتٍ عدة، وأرى أن كلَّ الثقافاتِ تتأثَّرُ ببعضها.
ما القطعُ الأبرزُ في المنزل؟
إضافةً إلى اللوحات، والصورِ الفوتوغرافيَّة، هناك مقتنياتٌ كثيرةٌ، منها آلة بيانو، كنت أعزف عليها صغيرةً، ومُكبِّران للصوت من صنعٍ ألماني، يبدوان طليعيين في تصميمهما، وكراسي قديمةٌ مصنوعةٌ من الخشبِ والقشِّ، وطاولاتُ نحاسٍ منخفضةٌ من المصممِة كارن شكرجيان، وكراسي في غرفةِ المدفأةِ من تصميمِ David/Nicolas. أيضاً، هناك أريكةٌ طويلةٌ منجَّدةٌ بالمخملِ الأحمر القاني من تصميمِي، تطغى على كلِّ ما يحيطُ بها في صالةِ الاستقبال، وعملٌ معلَّقٌ على الحائطِ في غرفةِ التلفزيون من المعدن، يظهرُ فيه كورنيشُ بيروت البحري مع آثارٍ للرصاص من تصميمِ عبدالله حاطوم، ولوحةٌ في الممر للفرنسي جان بول دوناديني، كانت الأولى التي اقتنيتها، وثريا كريستال «أنتيك» في غرفةِ الطعام، ومجموعةٌ من الكؤوسِ الكريستال، وطقمُ طعامٍ ممهورٌ بتوقيعِ لوي فيليب، ومصنوعٌ يدوياً عام 1846 في غرفةِ الفطور.
لاحظتُ حضورَ طاولاتٍ عدة في المنزل، ما السبب؟
أرى في الطاولةِ حميميَّةً أكثر من الأريكة، ولا أخالُ نفسي جالسةً، وأعملُ سوى في مقابلِ طاولةٍ، فالأخيرة تُمثِّل لي أكثر من سطحٍ لحملِ الأشياء، إذ كلُّ طاولةٍ، على غرارِ أي علاقةٍ، تُبنى على هيكلٍ، لذا يجبُ أن يكون الأخيرُ صلباً. إضافةً إلى ذلك، الـطاولات تقرِّبُ الناسَ إلى بعضهم، خاصَّةً حين تجمعُ الأسطحُ أطباقَ الطعام.
ماذا عن جمعِ الكتب؟
أنا عاشقةٌ لقراءةِ الكتب الورقيَّة في كلِّ المجالات، خاصَّةً في «الفاشن»، والهندسةِ، والفنون. قضاءُ وقتٍ برفقة كتابٍ، لا يُقدَّر بثمنٍ. لمسُ الورق، وشمُّه متعةٌ ما بعدها متعةٌ، إضافةً إلى إثراءِ العقل.
هل تعتمدين إعادةَ التدوير، خاصَّةً أن ذلك يقعُ في صلبِ عملكِ؟
أؤمنُ بـإعادةِ التدوير للأفضل، ويأتي ضمن مشروعي في البندقيَّة جمعُ نفاياتِ مصانعِ المعادن المحليَّة في مورانو، والاختبارُ مع مادة الزجاجِ المنفوخ، وتحقيقُ تكويناتٍ جديدةٍ. إعادةُ التدويرِ للأفضل قد تسفرُ عن تصميمِ قطعٍ فخمةٍ وعمليَّةٍ.