يعود هذا المنزل إلى قرون ثلاثة خلت، وقد أعيد ترميمه منذ سنوات قليلة من قبل المهندس حنّا سليم، الذي حرص على الحفاظ على كل ركن فيه، فضلاً عن بعض الأثاث و«الاكسسوارات»، راسماً تاريخ عائلة عريقة وفيّة لأصالتها.
حافظ المهندس حنّا سليم على هندسة المبنى القديم المؤلّف من أقسام مشتركة، بدءاً من البناء الخارجي الذي عمل على تنظيف الحجر الذي يلف كل جزء منه، وترميم ما كان مهدّماً، علماً أن جزءاً كبيراً منه كان مطموراً في الأرض! فنزع عنه التراب لإبقائه على حالته القديمة، هذا دون إغفال الشقّ المتعلّق بتعزيز بعض مداميك البناء...
بعد المرور بقنطرة من الحجر يجتازها الزائر لبلوغ أخرى، يصل إلى السلالم، ومن ثم إلى الباب الرئيسي، كما تجدر الإشارة إلى عين الماء الجارية راسمةً حولها خطوطاً من الأزهار والشتول.
من باطن الأرض!
من الطابق الأرضي، لم يكن متبقياً سوى قنطرة وباب تمّ نزعه. لذا كانت أعمال الحفر ضرورية، ليستعيد هذا الجزء بالكامل أنفاسه من باطن الأرض! تتوزّع أمام المداخل الرئيسة والثانوية، أوان قديمة من حجارة وأجران ومحدلة، كانت تنتمي كلّها إلى مقتنيات المنزل القديم.
قناطر حجرية معتّقة
يتألف المنزل من أقسام ثلاثة، يستقلّ كل قسم منها عن الآخر. يحتضن القسم الأوّل الصالونات وغرفة الطعام، فيما الثاني خاص بغرف النوم، أما الثالث فيفتح ذراعيه على غرار البيوت الأثرية لمجلس أو ديوان.
لكن المهندس سليم وصل ما بين هذه الأقسام عبر استحداث قناطر حجرية معتّقة تتناغم والروحيّة السائدة في المنزل، كما عمد إلى تنسيق الحجارة التي تلفّ الأبواب والنوافذ والجدران التي طليت باللون الأبيض بعد أن تمّ ترميمها وتنظيفها.
ضمن الرواق الخارجي، يرتفع باب كلوحة فنية كان قد نزع من مخلّفات المنزل القديم. ونظراً لصعوبة استعماله ثانيةً، فقد قام المهندس سليم بتثبيته على جدار المدخل، ليرسم بذلك تاريخاً غابراً محافظاً على هويته الأثريّة. لم يزل الباب الرئيسي للمنزل المشغول من خشب الأرز على حاله، وإن طالته بعض الأعمال، ليبدو رائعاً بزخرفاته النادرة.
طراز نابليون الثالث
لعلّ اللافت هو الحفاظ على كل قطعة من أثاث هذا المنزل، بعد إعادة ترميمها، كي تعود إلى شكلها الأصلي، دون أي تعديل بغية الحفاظ على تاريخ أسلوب قديم من الهندسة والديكور، تعود تصاميمه إلى طراز نابليون الثالث. تحقّق تنجيد الصالون الكبير ذي اللونين الأزرق والذهبي، والذي تتوسّطه ثلاث طاولات نحاسية قديمة تمتد إلى غرفة الطعام التي أعيد ترميمها بشكلها الأصلي، فأُدخل عمودان من الرخام إلى قاعدة طاولتها، ووُضع فوقهما لوح سميك من الزجاج. ومما يلفت الأنظار في هذا الجزء، هو وجود مغسلة قديمة الطراز ترتكز إلى أحد الجدران، وقد تمّ الحفاظ على موقعها ووظيفتها، بعد إضافة الحجر الأحمر والزخرفات من حولها.
وتتوزّع في الزوايا الكراسي والطاولات الدائرية والمربّعة القديمة والتي كانت تسكن هذا المنزل!
وتركن في الغرفة ضمن حائط سميك، خزانة قديمة مزخرفة تحتوي مجموعات قديمة من أوان ومن «بورسولان». وتتدلّى ثريا نحاسيّة لتتمّم مجموعة محتويات المنزل، كما تتوزّع «الأكسسوارات» النحاسية. ويفترش الأرضيّة بلاط قديم تمّ شراؤه من أحد المنازل القديمة. أمّا النوافذ فقد استعادت ألقها بعد الترميم، مع الحفاظ على حضور الزجاج من الخارج وعلى الخشب في الداخل.
استقدمت سلالم من الحديد والنحاس والخشب، كي يتم بها وصل غرفة الطعام مع القبو السفلي الذي سيفغر فاه من يراه، حين يعلم أنّه كان مطموراً بكامله تحت التراب!
وفي الجهة المقابلة لقسم الاستقبال، تتوزع غرف النوم، التي يحظى كل منها بحمّام خاص.
القبو؟!
بعد أن كانت مساحته التي تناهز المائة متر، مطمورةً بالتراب، عمد المهندس سليم إلى تنظيف الجدران والخشب الموزّع في أرجائه. ولم تخرج سوى الأرضيّة عن قديمها!
في ركن الديوان، تتوزّع الأرائك والوسائد على المجالس الحجرية، في جلسة مريحة. كما استحدثت زاوية جديدة، شرقيّة الطراز، تتناغم وروح المكان، توزّعت حولها «أكسسوارات» فرنسية نادرة، بالإضافة إلى حصّة كبيرة من «الاكسسوارات» النحاسية التي حظي بها هذا الركن.
وتجدر الإشارة إلى أن المطبخ أيضاً كان بكامله مطموراً، فأعيد تصميمه بإتقان!
عند الساحة الخارجية التي تتوسّطها بركة مياه صخرية الحواف، يستقل الركن الخاص بالمجلس، والذي يتمّ ولوجه عبر باب خشبي قديم تتوزّع فيه ست نوافذ، ويحوي جلسّة رائعةً تنتمي إلى طراز نابليون الثالث، تمّ تنجيدها حديثاً، فجاءت مزخرفةً باللونين الزهري والبيج، فوق أرضيّة رخامية حديثة. وتبرز الرسومات القديمة والتي لم يصبها التلف، من السقف الذي تتدلى منه ثريا تعتبر من بين المحتويات القديمة لهذا المنزل، وقد أدخلت إليها بأشكال وردية، قطع زجاجية قديمة.
للاطلاع على الصور بشكل أفضل زوروا استوديو "سيدتي".