أظهرت الدراسات الاقتصادية الحديثة أن ارتفاع أسعار التصاميم يؤدي إلى زيادة في المبيع وليس العكس، فإنتاج سلع محدودة الإصدار باهظة الثمن تزيد من قيمتها في عيون المستهلك الذي يقبل بنهم عليها لابتياع قطعة نادرة لا يملكها إلا قلة قليلة من زملائه. وفي المقابل تشهد الماركات التجارية التي تنتج تصاميم منخفضة الثمن زيادة في المبيعات عند ارتفاع الأسعار لديها لأن ارتفاع الأسعار مرتبط لدى عقلية الناس بالجودة، فالفستان الذي يكلف أكثر تكون نوعيته أفضل. وهذا ما تحدث عنه علماء الاقتصاد لدى تقسيمهم السوق إلى فئتين من المستهلكين، ولكن كيف يمكن احتساب ثمن منصف للزي؟ هل يرتبط الأمر بجودة تفصيله، بخامة قماشه أم بموديله العصري أو بالمواد المستعملة في تنفيذه؟ أسئلة كثيرة سنلقي الضوء من خلالها على عدة جوانب في تصنيعها لنرى إذا كان ثمنها منصفاً أم يتضمن المغالاة.
الفستان ليس مجرد زي جميل أو قطعة من القماش تقينا من البرد، فالفستان هو تفصيل وقماش وتصميم، وخياطة وتطريز وتوضيب، وشحن وعرض جذاب في الواجهة وعلى لوحة إعلانات، أو ضمن ألبوم جميل على موقع إلكتروني، أو في كتيّب للموضة. ولكن يبقى السؤال الأهم: كيف يمكننا تحديد سعر القطعة؟ الجواب في ما يلي.
إذا أردنا احتساب ثمن القطعة ما، يمكن بسهولة احتساب كلفة المواد الأولية من قماس وأزرار وخيوط، ولكن اليد العاملة هي العنصر المبهم، فالعمال الذين يتقاضون أجوراً متدنية يضاعفون ربح الماركات التجارية، ولكن هذا لا يعني أن كل الأزياء المنخفضة السعر يتقاضى فيها العمال أجوراً زهيدة.
في مجال الموضة السريعة قد يبدو لنا التنافس إلى تحقيق مبيعات قياسية شرساً بحيث تهمل الماركات التجارية عامل القيمة المتعلقة بالجودة. وعلى الرغم من الإحصائيات المتوافرة في الأسواق والتي تبرهن أنّ جيل الشباب من المتسوقين يعيرون اهتماماً كبيراً للاستدامة، ولكن الموضة السريعة تزداد انتشاراً، والملابس المعروضة ضمن مواقع التسوق الخاصة بها تزداد رخصاً. وفي مقابل ذلك، يزداد ثمن الماركات الراقية، ولكن ما يعني لنا هو أن كلفة بلوزة قطنية جيدة لا يفترض بها أن تكون بخمس دولارات ولكن هل يعقل أن تصل إلى 500 دولار أمريكي؟؟ ما هو الثمن الحقيقي لهذه السلعة؟
قد يبدو الجواب منطقياً عند التفكير بأنّ ثمن القطعة سيكون أعلى مما نعتقد، فكل مراحل الإنتاج والشحن والتسويق يضاف إليها نسبة الربح في القطعة، والتي تُحتسب بمعدّل ضعف ثمن القطعة بموادها الأولية. وبهذه الطريقة فإذا كانت كلفة فستان 100 دولار يمكن بيعه بمبلغ يتراوح من 200 إلى 220 دولاراً أمريكيًا. أما إذا كانت القطعة ستذهب إلى وكلاء للبيع هم بدورهم يبحثون عن نسبة ربح، فالثمن سيتضاعف ليبلغ أحياناً 484 دولارًا أمريكيًا. إن كلفة القطع ستغطي رواتب الموظفين وإيجار المتجر وفواتير الكهرباء والصيانة وسيذهب منها مبلغ لتمويل التصاميم المقبلة لضمان الاستمرارية.
الموضة ومعايير شفافية الأسعار
الموضة لم تكن يوماً شفافة في عالم الأرقام والحسابات، فمفهوم الحسومات والتنزيلات التي تبتكرها الماركات تدخل في خانة التضليل وتمويه الثمن الحقيقي للزي. فكلما بقي الزي في الواجهات أو على رفوف المتاجر كلما انخفضت قيمة مبيعه، لذا تلجأ الدور إلى احتساب ثمن مرتفع قليلاً لدى إطلاق المجموعة في كل موسم. ذكاء المستهلك يكمن في انتظار التخفيضات التي تبلغ 30 أو 40% من الثمن الموجود على بطاقة الزي. يولي المستهلك أهمية كبرى للتخفيضات وتغريه الحسومات لذا فقد يشعر أصحاب الماركات المحلية ذات المؤسسات الصغيرة بالضغوط للتخفيض من أسعار منتجاتهم، وقد يلجأ بعض المصممين إلى تنفيذ تصاميم بمواد أقل جودة ليتمكنوا من تخفيض أسعار تصاميمهم أو حتى إلى استخدام يد عاملة في بلدان أجنبية تتقاضى أجوراً منخفضة. قد يبدو الحل مثالياً تصوير فيديوات تعرض عبر مواقع التواصل عن تقنيات التطريز اليدوي والعمل الحرفي في مشاغلهم لتبرير الكلفة العالية للفستان، وفقاً لاستراتيجية Buy Less Buy Better التي ترتكز على ديمومة القطعة وتصميمها العابر للزمن. يرتيط مفهوم القطع الأيقونية بالاستدامة التي تحرص عليها الماركات ويشدد عليها خبراء الأزياء لتنسيق قطع عصرية مع أخرى فنتدج، ولكن السر يكمن في الحفاظ عليها.
"عشق الموضة لا يبدأ بمجرد تكديس للملابس بل في الحفاظ عليها بوصفها مقتنيات ذات قيمة مادية ومعنوية لدى مالكها" (رايتشل زوي في مدونتها The Zoe Report)
إن ارتداء أزياء قديمة من خزانتنا كانت مصدر خجل وإحراج لدى المستهلك وخاصة النساء، ولكن توارث التصاميم والملابس والأكسسوارات من جيل لآخر جعل عنصر الشباب أكثر تقبلاً للفكرة، وخاصة إذا كانت التصاميم تحمل توقيع دور راقية مثل ديور وشانيل غوتشي لويس فويتون أو حتى سان لوران، لكن انتشار جائحة الكورونا وإقبال الناس في تلك الفترة على التسوق الإلكتروني أضف إلى ذلك الأزمة الاقتصادية العالمية التي كانت الدور تمر بها في العام 2020 جعلت النساء أكثر تقبلاً للفكرة، فباتت النساء فخورات باقتناء حقيبة من شانيل بحالة جيدة أو وشاح من هيرميس أو حتى صندوق من لويس فويتون، فلقد نجحت هذه الفكرة باستقطاب زبائن جدد لم يكنّ يحلمن باقتناء الماركات، وجعل أصحاب الثروات يلجأن إليها خاصة بالنسبة للمجموعات المحدودة القديمة التي تعود إلى عقود ماضية والتي باتت بحكم المفقودة إلا إذا وصلت إلى متجر للأغراض المستعملة Thrift Store. ومن هذا المنطلق، توضح خبيرة الموضة رايتشل زوي أن اقتناء ماركات لا يجعلنا خبراء في الموضة، ولا حتى طريقة تنسيقها عندما تكون جديدة قادمة من منصات العروض إلى خزانتنا، ولكن طريقة حفظها تكشف الكثير عن نظرتنا لعالم الموضة وللماركات الراقية.
تؤمن خبيرة الموضة واستشارية المظهر رايتشل زوي Rachel Zoe بأن عشق الموضة لا يكمن في تكديس القطع وتنسيقها فحسب، بل في طريقة حفظها، لذا فلقد تنقلت رايتشل في العديد من البيوت، وقد أيقنت أن جودة التصاميم وقيمتها تكون من خلال توضيبها وحفظها، وقد أعطت العديد من النصائح التي تساعد النساء على ابتياع قطع وتدويرها على مر السنوات من خلال اتباع الطرق التالية:
- - عدم وضعها في مكان حار، فالمناخ المعتدل المائل الى البارد يساهم في الحفاظ على القطع، وخاصة معاطف الفرو والوبر الكاميل والأزياء المصنوعة من الريش.
- - ترك فراغات بين القطع تسمح للهواء بالمرور بينها.
- - تغليف القطع الدقيقة بمواد كرتونية أوقطنية تسمح بالتنفس وعدم تغليفها بمواد بلاستيكية أو أكياس ملونة قد تترك بقعاً على الأزياء.
- - تغليف الحقائب المصنوعة من الترتر بأكياس من القماش لعدم إتلافها.
- - صفّ الأحذية الجلدية على رفوف لحفظ الكعب العالي من التلف.
- - توضيب الأوشحة في علب كرتونية مزودة بفتحات للهواء.
- - حفظ الأكسسوارات المعدنية بعيداً عن الرطوبة؛ لئلا يتغير لونها وتجفيفها قبل توضيبها لئلا يفسد بريقها.
تابعي المزيد عن الموضة وسحر المغرب العربي ..أرض الألوان