يقفن في أفخر المحال التجارية، يستقبلن الزبائن بطلَّةٍ بهية وابتسامة رقيقة، يعرضن أحدث وأغلى ماركات مستحضرات التجميل والعطور؛ ليخرج الزبون محملاً بما خف وزنه وغلا ثمنه.
ما إن تقع عيناك عليهن وتجدهن في قمة التأنق واللباقة، والابتسامة الدائمة، حتى تحسدهن على عملهن ظناً منك أن فيه الكثير من المتعة.ولكن، هل جربت أن تعيش يوماً كاملاً من أيام عملهن؟ وهل تعرضت يوماً لما يتعرضن له من إحراج مع الزبائن؟ هذا ما سنعرفه من خلال التحقيق الآتي:
التوتر سمة كل صباح
بداية، توجهنا بأسئلتنا إلى ياسمين علي، موظفة مبيعات في أحد محلات بيع مستحضرات التجميل، فشرحت لنا قائلة: «يبدأ عملنا في التاسعة صباحاً، ومع كل يوم تصلنا من شركاتنا إنذارات بالفصل، أو إلغاء العمولات، لتبدأ الفتيات بالتنافس على خطف الزبائن من بعضهن البعض، ما يخلق الحساسيات بينهن داخل المحل وخارجه».
فيما علقت منال سعيد: «مع بداية كل شهر، يبدأ فصل جديد من الشعور بالتوتر؛ لما تقوم به الشركات من ضغط علينا كلما شح البيع، وكأن الموضوع بأيدينا، ومع علم تلك الشركات أن هناك مواسم يزيد فيها البيع، مما يدفعنا للإلحاح على الزبائن، خاصة عندما نواجه بعضاً منهم لا يعجبهم منتجنا، أو حتى البعض الذي يصعب إرضاؤهم».
العمولات لسند الرواتب
نهلة فؤاد قالت: «التنافس بين الماركات العالمية الفخمة يحدث فرقاً كبيراً في المبيعات، ما يؤثر على عمولاتنا، فنضاعف جهودنا وساعات عملنا، وهذا كله على حساب صحتنا وعائلاتنا في أغلب الأوقات».
تغريد منذر أضافت: «تأتي الفتيات إلينا لتجدنا في قمة التألق، فيحسدننا على عملنا، ولا يعرفن أن كثيراً منا مثلاً غير مقتنعات بالمستحضرات التي يبعنها،.. وهن لا يعلمن ما نعانيه من تأنيب الضمير؛ لأننا نعلم أن ما نقنع به الزبونة من كريم لشد البشرة مثلاً هو فعلياً مجرد كلام، ولكن حاجتنا للعمل وضغط الشركات علينا يدفعنا لفعل ذلك».
إحراجات.. ووشايات
سناء محسن أعقبت بقولها: «كثيراً ما نقع في مواقف محرجة مع الزبائن، ليس لاختلاف اللغات فقط، ولكن كوننا فتيات نجد أنفسنا مضطرات لتحمل كلمات، وأحياناً تصرفات غير لائقة من بعض الزبائن، وغالباً ما نُلام إذا لم نستطع إرضاء الزبون بشكل أو بآخر».
غنوة إسماعيل، أكدت أن الغيرة والمنافسة بين البنات على البيع قد تصل إلى اتهام بعضهن البعض، أحياناً، بتهم لاأخلاقية. فما إن تشاهد إحداهن زميلتها تقف مع أحد موظفي المحل حتى تنشر الإشاعات بأن علاقةً ما تدور بينهما، وأن هذا الزميل يساعد تلك البنت في بيع منتجات الماركة التي تروّج لها؛ ليقوم مدير المحل بتوجيه إنذار لهما.
ساندي عمر، عبرت عن صعوبة إيصال الفكرة للزبونة قائلة: «ما إن ألتقط أنفاسي لأنها أخيراً اقتنعت وستدفع ثمن المنتج... حتى أفاجأ ببنت من ماركة أخرى في المحل تقف إلى جانب الزبونة؛ لتقنعها خلسة بمنتجها، فتقوم الزبونة برد ما بعته لها وأخذ منتج الفتاة الأخرى».
فاجأتنا ديمة شهابي عندما قالت: «كثيراً ما يدخل مديرو المحلات كطرف في تلك المشاكل. فأحدهم عندما تقع عينه على إحدى الفتيات الموجودات كممثلات لشركاتهن في المحل ويعجب بها، حينها يضعها في مساومة بين أن تصبح مقربة منه وبالتالي يأمر باقي موظفي المحل بمساعدتها في البيع، وبين أن ترفض فيبدأ بتحريض بقية الموظفات عليها».
حيرة الإدارة
منير عسلي «مدير أحد المحلات» علق على ذلك الواقع فقال: «كل يوم تصلنا شكاوى من الفتيات على بعضهن، وكلما زادت شركاتهن عمولاتهن زادت حدة المنافسة بينهن، حتى تصل الجرأة أن يتسببن بفصل زميلاتهن، ونحن كإدارة نقدر مواقفهن وحاجتهن لمضاعفة مجهودهن في العمل، لما يحققه ذلك من زيادة في دخولهن وخاصة بالنسبة للعمولة، ولكن في النهاية نحن ملزمون بوضع قوانين حتى لا ينقلب المحل إلى ساحة معارك غير بريئة في بعض الأوقات».
أما مروان رنتيسة «مدير أحد المحلات» فقال: «كثيراً ما تأتينا رسائل عبر البريد الإلكتروني من الشركات المشاركة في محلاتنا، يستفسرون فيها عما يصلهم من شكاوى من الفتيات اللاتي يمثلهن في المحل، وتدور في مجملها حول المشاكل التي يفتعلنها البنات لبعضهن بسبب المنافسة على الزبائن. فنجد أنفسنا مضطرين نحن أيضاً لزيادة الضغط عليهن"ل.
العصا والجزرة
تقوم المنافسة مقام العصا والجزرة في الحياة الاقتصادية، فإذا تلكأ موظف من الموظفين عن تأدية عمله بالشكل المطلوب فإن صاحب الشركة سيحل موظفاً آخر مكانه.. لذلك يشير العديد من منتقدي المنافسة لوصفها بأنها مركز الشرور؛ ما يقلل التعاون داخل المجتمع، ويجعل بعض الناس أفضل، ولكن فقط على حساب الآخرين».
اقتصاد السوق الحديث هو نظام من التعاون مثلما هو نظام من التنافس، فداخل الشركة أو بين الزبون والمنتج هناك تعاون من أجل تحقيق الأهداف، فالتعاون مهم بقدر أهمية التنافس بالنسبة للاقتصاد المنتج. والمنافسة موجودة في أي مكان في الطبيعة، وفي جميع الأنظمة الاقتصادية.