كَثُر الرجال العصريون الذين لا يريدون الأولاد لانشغالاتهم الكثيرة، وهذا أدى، مع مرور الزمن، إلى ضعف عاطفة الأبوة عندهم، حتى إنهم زعزعوا حلم المرأة في الزواج والإنجاب وتحقيق رغبة الأمومة، فهل ضعف الأبوة ظاهرة حقيقية؟
في دراسة لمعهد البحوث الاجتماعية، بوتانتان، في مدينة ساو باولو، يقول علماء اجتماعيون برازيليون: إن المشاغل المكثفة للرجال بدأت تؤثر على عاطفة الأبوة، التي هي في الأصل أقل قوة وصلابة من عاطفة الأمومة عند النساء.
برأيهم أن هذا التطور السلبي في عالم الرجال بدأ يقلق المرأة، ويصيبها بخيبة أمل؛ لفتور رغبة الرجال العصريين في تحمل مسؤولية إنجاب الأولاد.
وأمام هذا الواقع أخذت بعض النساء يشترطن على الزوج المستقبلي وضع موضوع إنجاب الأولاد على رأس قائمة الأولويات في الزواج. ولكن كثيرين منهم يرفضون الارتباط بالمرأة التي تلح على هذه الناحية، والنتيجة عزوف الرجل عن فكرة الزواج. ومن الأسئلة التي طرحها علماء النفس في الدراسة: «هل التهرب من الزواج وعدم رغبة الرجل في أن يكون له أولاد يعني انحدار عاطفة الأبوة عنده؟».
فقدان الثقة
إن المرأة تتعرف على رجل يظهر لها كل الصفات المطلوبة، الأمر الذي يجعلها تعتقد أنها قابلت فارس أحلامها لتشكيل أسرة، بما في ذلك إنجاب الأولاد، وتحقيق عاطفة الأمومة التي لا تتأثر لا بالزمن ولا بالأشغال ولا بالأمور المادية.
ولكنها بعد أن تقع في حبه تفاجأ بشرط الزواج أولاً وترك موضوع الإنجاب حتى إشعار آخر. وأضافت الدراسة: «مجرد نطق هذه الكلمات تصيب المرأة بالإحباط؛ لأنها تبدأ تفقد الثقة بجدية الرجل؛ لتحقيق حلم الأمومة بالنسبة لها».
مماطلة وتلاعب
الباحثة الاجتماعية البرازيلية ريني آلاميدا، التي شاركت في إعداد الدراسة، رأت أن المرأة تبني توقعات كثيرة عندما تقابل رجلاً، وتتأكد من حبه إياها، وتعتقد أن النتيجة الحتمية لهذا الحب ستكون الزواج وبناء الأسرة.
ولكن ما يلبث أن يبدأ هذا الرجل بالمماطلة وتضييع الوقت. تساءلت ريني: «ما هو الدافع وراء مماطلة الرجل؟ هل هو الخوف من الزواج؟ هل هو الخوف من المسؤولية؟ وبخاصة مسؤولية إنجاب الأولاد، أم أن عاطفة الأبوة عند الرجل بدأت بالانحدار؟».
وبرأي ريني، فإن الإجابة عن هذه الأسئلة صعبة؛ طالما أن الرجل لا يكشف أو لا يبوح بمشاعره الحقيقية. والتردد في هذا الموضوع له تفسيران؛ إما أنه يخاف من الزواج والمسؤولية، أو أن عاطفة الأبوة عنده تقف ضعيفة أمام المغريات الأخرى للحياة. وعلّقت: «قديمًا كان الرجل يفخر بأن يصبح أبًا؛ لأن ذلك يعتبر رمزًا لرجولته».
مع ذلك انتقدت ريني الرجل الذي يخاف الصراحة والبوح بنيته للمرأة؛ لتفادي جرحها؛ لأن أكثر ما يجرحها هو أن تكتشف أنه يتلاعب بعواطفها للوصول إلى مبتغاه.
حقيقة مزعجة
أكدت الدراسة وبالأرقام أن 52 % من الرجال يحبذون الارتباط بالمرأة التي لا تنجب، و56 % من تلك النسبة يبحثون عن المرأة التي أجرت عملية إزالة الرحم. فماذا يعني ذلك؟ هل هو التهرب والخوف من الزواج أم أن خللاً قد طرأ على عاطفة الأبوة عند الرجل العصري؟ والإجابة هنا تأتي حسب الأولوية وفقًا لحقيقتين كلتاهما مزعجتان، ولكن الأكثر إزعاجًا هو إذا صحت مقولة: «إن عاطفة الأبوة قد أصبحت ضعيفة عند الرجل العصري»، أما الحقيقة الأقل إزعاجًا فهي الخوف من المسؤولية.
واختتمت الدراسة بالقول: «إن التهرب والخوف من المسؤولية أمر يمكن فهمه؛ لأنه مرتبط بشخصية كل إنسان على حدة. ولكن ليس هناك مبرر للإيذاء بعاطفة الأبوة أو تشويهها؛ لأن ذلك ليس مرتبطًا بضعف أو قوة الشخصية وإنما بأشياء أخرى ضد المبادئ الإنسانية، وضد قانون الوجود البشري في الحياة».