تعدّ "الشفة الأرنبية" من بين العيوب الخلقية الأكثر انتشاراًً، علماً أنها قد تصيب المولود منفردة أو يصاحبها الشق الحلقي. ورغم تحديد بعض العوامل المسبّبة لها كسوء تغذية الحامل ونقص الفيتامينات في غذائها والتدخين، إلا أن الباحثين لم يتوصّلوا حتى اليوم إلى السبب الرئيس المسؤول عن الإصابة.
"سيدتي" تطلع من الاستشارية في طب الأطفال الدكتورة نهى حامد محمود عن أشكال الشفة الأرنبية ونسبة انتشارها وكيفية تشخيصها ومضاعفاتها وطرق علاجها.
أنواع الشفة الأرنبية والشقّ الحلقي
تعدّ الشفة الأرنبية العيب الخلقي الوحيد الذي يصاحبه الحلق المشقوق، وتشمل الأنواع التالية:
- الشفة الأرنبية:شق أو فراغ قد يصيب الشفة العلوية حصراً، وقد يكون أحاديّ أو ثنائي الجانب.
- شق سقف الحلق:يصيب سقف الحلق أو وسطه، ويمتدّ إلى الأمام على شكل ذراعين.وفي الحالات الشديدة، يمتدّ ليبلغ سقف الحلق الرخو أو اللهاة.
نسبة الانتشار
ينتج هذا العيب عن عدم اتصال قطعتين لحميّتين في منتصف الوجه وداخل الفم، وذلك خلال الأشهر الثلاثة الأولى من سنّ الجنين. وتفيد الإحصائيات بإصابة مولود بشقّ في الشفة وسقف الحلق من نحو 700 مولود، علماً أن هذه النسبة تتزايد لدى بعض الأجناس كشعوب شرق آسيا، فيما تسجّل نسبة أقلّ لدى شعوب أفريقيا.وتنتشر في صفوف الذكور أكثر من الإناث، كما في الجانب الأيسر من الشفة.
أسباب مسؤولة
تعود الإصابة بالشفة الأرنبية إلى أسباب بيئية وأخرى وراثية، إلا أن السبب الرئيس والمباشر ما يزال مجهولاً حتى اليوم، لكن الأطباء لاحظوا أن هذا العيب ينتشر خصوصاً إذا كان أحد أفراد العائلة مصاباً به أو في حال أنجب طفلاً مصاباً به. كما وجد أنّ ثمّة جيناً مسؤولاً عن استعداد الإصابة بهذا العيب الخلقي، فضلاً عن دور العوامل البيئية أثناء فترة الحمل، وذلك عندما تتعرّض الحامل لنقص الأكسيجين وتدخّن وتشرب الكحول وتتناول بعض الأدوية لعلاج حالات الصرع وضغط الدم المرتفع وتتعرّض للمبيدات الحشرية وتتبع نظاماً غذائياً قاسياً وتتناول الفيتامينات بدون إشراف طبي وخصوصاً الفيتامين "أ".
التشخيص
يتمّ تشخيص الإصابة عن طريق الفحص الإكلينيكي للطفل عند الولادة. ولكن، مع التقدّم العلمي، أصبح بالإمكان اكتشافها عند الجنين بالموجات الصوتية رباعية الأبعاد.
مضاعفات...
تؤدّي الشفة الأرنبية إلى نوعين من المضاعفات:
- مضاعفات عضوية تشمل التهاب الأذن الوسطى نتيجةً لتأثر قناة استكيوس بهذا العيب وصغرها، ما يجعل الطفل المصاب عرضة لضعف السمع، و فقدانه في بعض الأحيان.
- صعوبة تعلّم الكلام والنطق الصحيح نتيجةً لضعف السمع.
- نظراً إلى ارتباط هذا العيب بالفم، فإنه تتعذّر الرضاعة، سواء الطبيعية أو الصناعية، ما ينتج تأخّر النمو العضوي والعقلي خصوصاً في السنة الأولى من سنّ المولود.
- اضطراب في عدد وحجم وشكل وتكوين الأسنان، كما في ظهور الأسنان اللبنية والدائمة وفقدان الكثير منها، خصوصاً العلوية.
- قد تشكّل الشفة الأرنبية جزءاً من متلازمات مرضية مختلفة، كأن تكون مصحوبة بتخلّف عقلي خفيف أو أمراض وعيوب خلقية في القلب والعين والأذن.
تأثيرات نفسية
يتمّ علاج هذا العيب، في غالبية الأحيان، في مرحلة مبكرة، خصوصاً خلال الشهرين الأولين من سنّ المولود، علماً أن من يلازمه هذا العيب في مرحلتي الطفولة والمراهقة، يتعرّض إلى مخاطر نفسية جمّة وخطرة، كالإحساس العميق بالدونية وعدم القدرة على التعامل مع الآخرين والانطوائية والخجل والتي قد تبلغ الاكتئاب والفصام وعدم الثقة بالذات.
العلاج
تعتمد نتائج العلاج، بصورة عامّة، على درجة تعقيد الشق وحجمه خصوصاً في الأسابيع الأولى من سنّ الطفل، فنسبة نجاح العلاج تكون مرتفعة إذا تمّت في مرحلة مبكرة. ويشترك فريق كامل من الأطباء في إصلاح هذا العيب، يضمّ: طبيب الأطفال واختصاصيي علم النفس والتغذية والتركيبات، وهذا الأخير يعدّ سدّادة لشق الحلق لمساعدة الطفل على الرضاعة، فضلاً عن اختصاصي جراحة تجميل الوجه والفكين.
ويتمّ إغلاق شقّ الحلق على مرحلتين في السنة الثانية من سنّ الطفل، وقد أثبتت الدراسات أن الإغلاق المبكر للحلق يساعد الطفل على تفادي مضاعفات هذا العيب. ولإنجاح هذه الجراحة، يقوم طبيب التركيبات بصنع سدّادة من "الكوبالت" أو "الكروم" لتساعد الطفل على تناول الطعام والنطق السليم. وتجدر الإشارة إلى ضرورة الاهتمام بنظافة التركيبات والعناية بها لأنها من الممكن أن تشكّل مكاناً لتكاثر البكتيريا والفطريات.
ثم، يأتي دور اختصاصي النطق مع بداية اكتساب الطفل للغة، وذلك في سنته الثانية، فدور طبيب الأنف والأذن والحنجرة في مراقبة سمع الطفل، إلى جانب طبيب تقويم الأسنان لتصحيح علاقة الأسنان السفلية بالعلوية وتعديل الفك إذا كان متقدّماً.وفي بعض الأحيان، يتمّ التدخّل الجراحي في حال انحراف الفك الشديد. وبذا، تشكّل نسبة التصويب 90%.
خطوات مفيدة...
- تجدر المبادرة بالعلاج منذ الأشهر الأولى من حياة المولود، تفادياً لإصابته ببعض الأمراض النفسية كالفصام والاكتئاب.
- يجب دعم والديّ الطفل المصاب معنوياً ونفسياً وتعليمهما كيفية التعامل معه.
- يساعد الإغلاق المبكر للحلق على تفادي مضاعفات هذا العيب.
- يجب الاهتمام بالأسنان التي تركّب للطفل عند العلاج، مع العناية بتنظيفها لأنها قد تكون مرتعاً لتكاثر البكتيريا والفطريات، علماً أن عدم الاهتمام بها يؤدي إلى الإصابة بالتهابات عدّة مكان الشق.
- تنمية الجانب النفسي للطفل.
- عدم عزل الطفل ودفعه إلى ممارسة حقه الطبيعي في اللعب مع الأطفال.
- الاهتمام الزائد بالطفل المصاب قد يؤدي إلى نتائج عكسية وخيمة.