تردّدت في الآونة الأخيرة شائعة أصابت النساء في المجتمع السعودي بالرعب ومفادها أنّ حبوب تنظيم الحمل "ياسمين" تسبّب الجلطة، فبدأن يتناقلنها عبر وسائل الاتصالات الحديثة وفي مجالسهنّ العاَمّة والخاصة. وانطلاقاً من رسالة «سيدتي» واهتمامها بصحة المرأة والأسرة، كان لا بدّ من أخذ زمام المبادرة والبحث عن حقيقة تلك الشائعة، فنظّمت ندوة في فندق "راديسون بلو" بجدة بعنوان "وسائل منع الحمل بين الشائعة والحقيقة"، أدارتها اعتدال إدريس.
يشرح الدكتور هشام عرب، في مستهلّ هذه الندوة، أنّ "وسائل منع الحمل متعدّدة، تشمل: طريقة الحساب التي تشكّل أبسطها إلا أني لا أعتبرها ناجحة، لكن هناك بعض النساء اللاتي يحبّذنها، لكن يؤخذ عليها أنّ نسبة الأمان فيها لا تتجاوز 70%. ويعود السبب في إخفاق هذه الطريقة إلى عدم انتظام خروج البويضة كل شهر". ويضيف: "أنّ الحبوب للمتزوجين حديثاً تظلّ أنسب الطرق لمنع الحمل وتنظيمه. وبعيداً من خشية البعض منها، خضعت هذه الأخيرة إلى الدرس من نواحيها كافة، وهي تشهد كلّ سنوات عشر تقريباً على حضور دواء جديد، وحتى الدواء الواحد يتمّ تعديل تركيبته أكثر من مرة لكي يكون أكثر سلامة وأمناً لمستخدميه، وبالتالي وصلت نسبة نجاح هذه الحبوب في منع الحمل 99.99% عند تناولها بطريقة منتظمة وصحيحة". ويشير إلى أنّ "اللولب لا يناسب المتزوجات حديثاً سوى في حالات محدّدة، خصوصاً إذا كانت الحبوب لا تناسب المرأة، بل هو خاص بحالة السيدة التي لديها على سبيل المثال أربعة أطفال ولا تناسبها الحبوب، علماً أنّ نسبة أمان اللولب تتراوح ما بين 95% و97%، وهو يحمل نوعين: هرموني وغير هورموني، ويتوقف حسب كل حالة، ويعطي نتائج جيدة إذا سلِمت المرأة التي تستخدمه من الالتهابات". ويتابع، قائلاً: "هناك وسيلة الإبر التي تحقن في العضل وتحتوي على هرمون واحد وهو "البرجسترون" ويستمر مفعولها لمدة 6 أشهر، ولكن تتمثّل مخاطرها في أنّ 40% من النساء اللاتي يستخدمنها يعانين من النزف المتكرّر، كما أنّ الطبيب لا يمكنه التدخّل لوقف أي مضاعفات تنتج عن استخدامها، وتستمر هذه الأخيرة إلى أن ينتهي مفعول الدواء بعد 6 أشهر، وبالتالي فإنّ غالبيّة أطباء النساء لا تحبّذ استخدام هذه الوسيلة".ويعيب على الواقي، سواء الذكري أو الأنثوي في حال التحدّث عنه كوسيلة لمنع الحمل، أنّ نسبة الأمان فيه لا تتعدى 85%.
ويخلص في مشاركته إلى أنّ حبوب منع الحمل هي أكثر الطرق أماناً، وتشمل نوعين: نوع يحتوي على هرموني "الإستروجين" و"البرجسترون" وهي الأفضل والأكثر استخداماً بين النساء، فيما النوع الثاني يحتوي على هرمون واحد، ويناسب المرأة في فترة الرضاعة حصراً.
شائعات...
وبدوره، يؤكّد د.عبد الحفيظ خوجة "أنّ الإرباك الذي نتج عن الشائعة المتعلّقة بخطورة حبوب منع الحمل (ياسمين)، دفع بعص النساء إلى الامتناع عن استخدامها بدون التثبّت من صحّتها، لذا فإنّ تنظيم "سيدتي" لهذه الندوة التي تهدف إلى البحث عن الحقيقة وطمأنة الرأي العام أمر يستحقّ الإشادة"، داعياً إلى عدم الانسياق وراء الأخبار التي تتعلّق بالصحة والدواء سوى في حال قدّمت من قبل مصدر موثوق، مع استشارة الطبيب في هذا الشأن، ومتابعاً "أنّه في كثير من الأحيان تصدر هذه الشائعات بسبب المنافسة بين شركات الأدوية".
ثم، يأخذ الدكتور عرب أطراف الحديث، ليذكّر أنّه "قبل عامين تقريباً، لاحظنا من خلال الدراسات والبحوث التي أجريناها حول حبوب "ياسمين" على وجه التحديد، أنّها بالإضافة إلى أنَّها آمنة ومضمونة، تقي المرأة من مخاطر الأنيميا التي قد تصيبها نتيجة الدورة الشهريَة، حيث تساعد على تقليل كميَّة الدم وتقصير مدة الدورة، بالإضافة إلى أنَّها تساعد في الحدّ من الآلام المصاحبة للدورة وتنظّم مواعيدها، كما تقضي على آلام الثدي المصاحبة لها خصوصاً في الأيّام الأولى، وتساهم بشكل فعّال في الوقاية من الأورام الحميدة التي تصيب الثدي". ويضيف "أنّ البحوث تؤكّد أنّ تناولها بانتظام يساعد في علاج التهابات بطانة الرحم وتكيّسات المبايض، وتمتدّ فوائدها للبشرة أيضاً إذ تساهم في القضاء على البثور وحب الشباب الذي تعاني منه الزوجات الشابات في بداية حياتهن الزوجيّة، كما ثبت أنّ نسبة إصابة النساء بسرطانات عنق الرحم والمبيض والرحم تقلّ مع استخدام حبوب منع الحمل".
توعية المجتمع
ويقول د.عبد الحفيظ "إنّنا مقصّرون حيال توعية المجتمع، علماً أنّ ثمّة بداية مبشّرة، إذ تتواجد في كل مستشفى حكومي إدارة تثقيف صحي، كما أنّ الهيئة العامّة للغذاء والدواء لشؤون الدواء التي يرأسها الدكتور صالح باوزير تقوم بدور فاعل ونشط في مراقبة الأدوية التي تطرح في السوق السعوديّة، وأي دواء تثبت الدراسات والتقارير أنَّه يضرّ بصحة المرء يتمّ سحبه على الفور من الأسواق والتحذير من خطورته، بل تغرّم الشركة المسوّقة له". ويضيف "أنّه بسؤال الدكتور باوزير عن حبوب "ياسمين"، أجاب بغياب المشكلات الخاصّة بهذا الدواء، وكل ما يتردّد عن هذه الحبوب مجرد شائعة مجهولة الغرض". ويؤكّد "أنّه معلوم أنّ لأي دواء آثاراً جانبيّة، لكن هناك آثار مقبولة ومصرّح بها، وعندما يكون النفع أكثر من الضرر يكون الأمر مقبولاً. فعلى سبيل المثال، للعلاج الكيماوي في حال الإصابة بالسرطان آثار جانبَيّة خطيرة، ومع ذلك فهو مصرّح بالاستخدام. أما حبوب منع الحمل، فإنّه يمكن التأكيد على أنّ فوائدها تتجاوز ما قد ينتج عنها من أضرار، والطبيب هو من يقرّر ما هو أصلح للسيدة، فاللاتي يعانين مشكلات في الكبد والكلى أو السرطان أو سبق وأصبن بجلطة أو تخثّر في الدم ينصحن دائماً بعدم تناول حبوب منع الحمل، سواء «ياسمين» أو غيرها". ويضيف: "فيما يتعلق بالجلطة على وجه التحديد، هناك حالات نادرة جداً أصيبت بها نساء يتناولن حبوب منع الحمل، وأثبتت الدراسات أنَّ السبب لا يعود إلى حبوب منع الحمل بل إلى استعدادهن للإصابة بالجلطة. إذاً، ليس هناك علاقة مباشرة بين تناول حبوب منع الحمل والإصابة بالجلطة".
الحضور يشارك
تفاعل الحضور مع الطبيبين المشاركين في الندوة، ودار نقاش يتلخص فيما إذا كانت حبوب "ياسمين" تناسب السيدات كافة، فذكر د.عرب "أنّ المرأة حين تنوي اللجوء إلى وسيلة لمنع الحمل يجب أن تستشير طبيبها، فهو الأقدر على تحديد النوع الذي يناسبها خصوصاً بعد إجراء التحاليل المخبرية اللازمة، فلكل حالة ظروفها ولا يمكن أن نقارن سيدة في العشرين من عمرها بسيدة في الأربعين على سبيل المثال". كما طلبت السيدات أن تكون المعلومات المتوافرة على موقع "هيئة الغذاء والدواء" بسيطة، فعقّب د. خوجة بالقول: "نحتاج إلى أن نصل بالمعلومة الصحيّة للجمهور بشكل أفضل. وبطبيعة الحال، فإنّ ما ينشر في موقع الهيئة موجّه للأطباء بشكل علمي لا يفهمه عامّة الناس. لذا، نتمنى أن يكون هناك قسم خاص للجمهور تقدّم فيه المعلومة بشكل مبسّط، بعيداً من المصطلحات الطبيَّة المعقدة".